Apr 4, 2016

فوبيا الإرتباط أو جامو فوبيا



هدى: نعم ؟!!!
ماذا تقول ؟!!
أنا عندي فوبيا الإرتباط !!!
مستحيل فأنا أرتبط أكثر من مرة في حياتي, وفي كل مرة كنت أُقدم فيها على خطوة الزواج من الشخص الذي أحبه تحدث مشكلة ما سواء بسببي أو بسببه وينتهي الموضوع.

فكيف لك إذن أن تقول لي بإنني مُصابة بفوبيا الإرتباط ؟!!
أنا لا أفهم شيئاً, ولا مُدركة لما تقول.
المُعالج النفسي: هل حقاً لا تفهمين شيئاً مما أقول ؟!
هدى: نعم.

المُعالج النفسي: هدى, بماذا تفسرين هروبك ليلة زفافك وعدم ذهابك أصلاً الفرح ؟
بماذا تفسرين خلقك للأعذار الواهية لكل شخص يحاول الإرتباط بكِ ؟
هدى: لا أعلم, ولا أعرف كيف أتصرف بمثل تلك التصرفات, ولكني حقاً أخ....!!!!

المُعالج النفسي: ولكنك حقاً ماذا ؟
هدى: ولكني حقاً أخشى, أخشى القرب, أخشى أكون مع الشخص الخطأ بالنسبة لي, أخشى من طيلة مدة الإرتباط, أخشى الحب, أخشى المشاعر الدافئة التي من الممكن أن تربطني بشخص.
دكتور صراحة أنا..............

"وهرولت هدى مسرعة خارجة من عيادة المُعالج النفسي وهي شديدة الإجهاد والإعياء, وتبكي وكأنها لم تبكي طيلة عمرها من قبل, دخلت سيارتها وقبل تشغيل سيارتها..."

إتصلت بصديقتها المُقربة آية وحدث الحوار التالي:
هدى: ألو أيوة يا آية, أنا مخنوقة قوي.
آية: ليه بس يا حبيبتي حصل إيه.
هدى: آية أنا طلع عندي فوبيا الإرتباط.
آية: نعم !! أؤمريني وده بيكون فين.
هدى: يا آية أنا مش بهزر بتكلم جد.
آية: وأنا كمان بتكلم جد يعني إيه فوبيا الإرتباط, يعني إنتِ حد ربطك بحبل مثلاً ورمى طرفه في عمق البحر وعشان كدة إنتِ مخنوقة ومضايقة ؟ هو لفه حولين رقبتك ولا إيه ؟!
هدى: تصدقي إني غلطانة إني كلمتك أصلاً...سلام


أغلقت هدى الهاتف وأخذت تردد هذه الكلمات, لا أحد يشعر بي مُطلقاً, جميع من حولي يعاملونني وكأنني بلا إحساس أو مشاعر, وأنهمرت مرة أخرى في البكاء..
                                ---
هدى إنسانة بسيطة مُحبة للحياة متفائلة مثل الكثيرات في مُحيطها سواء العائلي أو العملي, فهي حالياً تبلغ من العمر الواحد والثلاثون, ومازالت عذراء لم تتزوج بعد.

قضت هدى طفولتها وسط أبوين مُحبين لبعضهما البعض أو كانت تعتقد حينها هي ذلك, ولكن بعد زواج استمر سبع سنوات إنفصلا أقرب ناس لقلبها الصغير الذي لا يحتمل عواقب الإنفصال في هذه السن الصغيرة.
فقد قرر رأفت – والد هدى – الإنفصال لأنه أراد أن يتزوج من امرأة أخرى أحبها وأحبته, حيث أن زواجه من سامية – والدة هدى – كانت بناءاً على رغبة الأهل وليس على رغبة رأفت أو سامية.


فسامية ابنة خال رأفت وضغط عليه والده للزواج منها وقال له صراحة لو لم تتزوج من سامية, فلن تتزوج من امرأة أخرى مُطلقاً, وبسبب أن رأفت لم يكن في قصة حب وقتها فوافق على طلب والده لعل وعسى أن يحب ابنة خاله هذه ويرى فيها المرأة التي كان يحلم بها دوماً, فهو شخص رومانسي حالم, يعشق الحياة ويقدر كل ثانية بها.
ولكن للآسف لم تكن سامية كما تخيلها فهي امرأة متسلطة, سليطة اللسان, مغرورة, لا تتقبل الرأي المعارض لوجهة نظرها مُطلقاً, تحب أن كل كلامها يُنفذ وبلا نقاش.

لم يطيقا كل من سامية ورأفت بعضهما مُطلقاً, فأتفقا على الإنفصال, وبالفعل حدث الإنفصال وسط معارضة أهل كل منهما..
هدى عاشت معهما كل تفاصيل وأحداث الطلاق, كانت لا تدري شئ وقتها فهي مازالت صغيرة, ولكنها فقدت إحساس الأمان الذي كانت تشعر به في وجود أبويها معاً, فلأول مرة أحست هدى بإنها بلا سند لها في هذه الحياة رغم صغر سنها.

كبرت هدى وعاشت مع والدتها التي رفضت الزواج رغم كثرة العروض المغرية عليها, ولكنها فضلت أن تبقى بجانب أبنتها الوحيدة, وأبت أن تأتي لها بزوج أم.

كان رأفت يسأل على هدى بإستمرار ولكن حياته الأخرى شغلته عنها كثيراً, خصوصاً بعدما أنجب من زوجته الأخرى البنين والبنات, فأصبحت هدى شيئاً ثانوياً في حياته, فلم يحضر لها مُطلقاً جلسات مجلس الأباء التي كانت تُعقد في مدرستها, وعند تقديم أوراقها للجامعة بعدما أنهت دراستها الثانوية, خالها هو من تولى ذلك الأمر, لإنشغال والدها, فهو كان دائماً ما يبرر غيابه عنها بأعذار واهية, لا تقنع عقل طفل صغير حتى.

وفي الجامعة تعرفت على الكثير من الزملاء من الجنسين ولكنها كانت دائماً تخشى من قرب أي شخص لها, فهي إنسانة تخشى من المشاعر الطيبة, لا تقول كلمة بحبك مُطلقاً لأي أحد وحينما تقول هذه الكلمة, تقولها بصعوبة بالغة.

فهي ترى أن مشاعر الحب والعواطف النبيلة ليست لها مكاناً في قلبها, ولماذا تحب فجميع الرجال بعد الزواج يخونون زوجاتهم ولا يظل زوج مخلص تماماً لزوجته مدى الحياة ؟!!

ولكن حدث ما هو كان غير متوقع, أعجبت هدى بزميل لها في الجامعة وهو أيضاً أعجب بها وحاول مراراً وتكراراً أن يتقرب إليها, ولكنها دائماً ما كانت تهرب منه, فهي تحبه في صمت تام, وتراقب تصرفاته دون أن يشعر بها.
أشارت عليها صديقتها – آية – أن تفسح له المجال, وتدعه يتقرب منها, لعل وعسى أن يكون شخص رائع ويحافظ على قلبها من أي وجع, وبالفعل أخذت بالنصيحة وسمحت له يتقرب منها, ولكنها تركته بعد مرور شهر واحد فقط, لخوفها من شدة تعلقها به, وكانت حجتها بأنها حالياً مهتمة بدراستها ولا تريد أن تشغل بالها حالياً بالإرتباط !!

وبالفعل تركته وأخذت تعذب نفسها وتتعذب لفراقه, ولكن كل هذا ليس له قيمة أمام أن تحافظ على نفسها من الحب والعشق, إيماناً منها بأن كل الرجال خائنون ولا يصلحون للزواج.

تكررت معها أكثر من مرة قصص الإعجاب بأشخاص حتى بعد إنتهاءها من دراستها الجامعية وبدأها الحياة العملية, ولكنها كانت كل مرة تهرب في أخر لحظة, وأيضاً كانت تبرر هروبها هذا بأعذار سطحية لا تقنع أحداً.
 ولكن حدث ما كان لا يخطر على بالها مُطلقاً, فتقدم لخطبتها زميل لها في العمل, وذهب مباشرة إلى والدتها التي رحبت به كثيراً, فهو شخص مثقف ناجح في عمله, ويشهد الجميع على حُسن خُلقه..وبالفعل تمت الخطبة بعد ضغط سامية ورأفت عليها..والتي خضعت ووافقت على طلبهما بدون رضاها أو حتى ترحيب منها ولكن غصب عنها, فهى لا ترى في هذا الشخص عيباً واحداً يمكن أن ترفضه بسببه, ولكن كل ما هنالك بأنها خائفة, خائفة من خوض مثل هذه التجربة...

لا تشعر بشئ سوى إنها خائفة وخائفة جداً إلى حد الرهبة !!
مرت شهور الخطوبة عليها وكأنها سنين وموقفها مازال ثابت, فهي لا تريد الزواج أو حتى الإرتباط من أي شخص حتى لو كانت تشعر ناحيته بمشاعر إيجابية, بالضبط كما تشعر ناحية خطيبها..

تم تحديد موعد الزفاف وسط زغاريط وفرحة الأهل جميعاً, كل الناس فارحين ماعدا أهم شخص من المفترض إنه يفرح بل ويطير من الفرحة, هذا الشخص هو هدى, فكانت حزينة وكأنهم يُعلنون خبر وفاة عزيز لها وليس خبر زفافها !!

سلمت وتركت هدى نفسها لوالدتها التي سعت إلى تحضير كل شئ من أجل هذا اليوم الذي ظلت تنتظره كثيراً, فأخيراً ابنة عمرها ستتزوج ياااااااااااااااااه, وأخذت هدى توافق على جميع تعليمات الأم على سبيل المثال مكان شراء فستان الزفاف, والإتفاق مع مصفف الشعر وغيره....ألخ, وهي مُستسلمة تماماً للأم دون أن تُبدي أي إعتراض !!

وفي ليلة الزفاف, والجميع تغمرهم الفرحة العارمة, والكل ينتظر لحظة دخول العرسان إلى القاعة, لم تأتي هدى !!
نعم...هربت !!

لم تفكر مُطلقاً في شكل والدتها أمام الآخرين, ولا فكرت في أي شئ سوى إنها لا تريد أن تتزوج..فالزواج بالنسبة لها قيد يحيط برقبتها ويكاد يخقها ولا تقدرعلى تحمله..

تركت هدى كل شئ وأتجهت نحو منزل صديقتها آية التي كانت مُتجهة هي الأخرى إلى عُرس صديقتها الوحيدة.

"مالك يا هدى في إيه ؟, إيه اللي جابك هنا أصلاً مش مفروض النهاردة فرحك ؟" بادرت آية بأسئلتها تلك الأسئلة في خوف وفزع على صديقتها والتي لم تجب بأي شئ سوى البكاء.

فضمت آية هدى إلى صدرها وأخذت تهدأ من روعتها, وعندما أصبحت هدى قادرة على الحديث, وقصت على آية ما حدث, نصحتها آية بأن تستشير مُعالج نفسي فهو وحده القادر على مساعدتها..

وبالفعل أخذت آية موعد من المُعالج النفسي وبلغت هدى بالموعد والتي طلبت منها أن تذهب معها ولكن آية فضلت أن تذهب هدى وحدها ولا يُفضل أن يوجد أحداً معها..
وبالفعل ذهبت هدى إلى المعالج في الموعد المحدد مُسبقاً وحدها..
                             ---
وبعدما تركت هدى المعالج في المرة الأولى وهرولت مُسرعة بعيداً عنه, عندما أخبرها بحقيقة ما تُعاني منه, عاودت مرة أخرى إليه ولكنها في هذه المرة أكثر هدوئاً من ذي قبل, وأخذت تقص على المُعالج ما مرت به بكل التفاصيل, منذ طفولتها وحادثة الطلاق ما بين أبويها, وحتى قصص الإعجاب التي مرت بها, والتي أنتهت بهروبها في ليلة زفافها..

عبرت هدى بكل حرية عن ما بداخلها بمنتهى الراحة والأمان وأخذ المُعالج ينصت لها بكل إهتمام, وعندما أفرغت عن الحديث, بدأ المعالج يعطيها بعض النصائح فقال لها:

هدى لا داعي للقلق مُطلقاً, تقريباً وبنسبة كبيرة جداً كثير من الشباب والبنات لديهم فوبيا من الإرتباط, خوف من أنهم يكونوا مع الشخص الخطأ, الخوف من غدر أو خيانة الحبيب والزوج لهم, فينشئوا جدار حوالين أنفسهم و"متربسين" على قلوبهم بالقفل والمفتاح, لكي لا يفكر أحداً أن يتقرب منهم ولا حتى يلمح لهم بالإرتباط..

وخاصة يا هدى في مثل حالتك هذه, فإنتِ شاهدتي أمام عنيكي أهم ناس لديك وهم ينفصلان, فبالتأكيد لم تنشئ في ظل الإحساس بالحب والجو الدافئ العائلي بوجود والدك ووالدتك معاً, وظل لديك صورة ذهنية خاطئة عن كل الرجال بأنهم خائنين وهذا شئ غير صحيح بالمرة..

ليس معنى إن والدك أحب وتزوج من امرأة أخرى, فهذا معناه إنك سوف تواجهي نفس مصير والدتك, فلكل قاعدة شواذ يا هدى ؟
هدى: مظبوط يا دكتور

ثم استطرد المُعالج حديثه فقال:
أولاً أود أن أحييكي لإعترافك بوجود مشكلة عندك أصلاً, فإعترافك بالمشكلة تعد نص الحل..

ثانياً سوف أقول لك على بعض الأشياء إذا فعلتيها ومارستيها بشكل متكرر أوعدك إن هذه الفوبيا  لم تجد لها مكاناً في حياتك مرة أخرى, وقريب جداً سوف أبارك لك على زفافك.

وأخذ المُعالج ينصح هدى قائلاً:
1-             لا تسحبي نفسك للوراء فعندما يقرب منكِ أحداً أتركي نفسك, ودعي قلبك يجرب مشاعر الحب ويشعر به, لا تهربي من مشاعرك بل واجهيها وتصالحي معها.

2-              ركزي على اللحظة الآنية, ولا ترسمي في ذهنك سيناريوهات للمستقبل ليس لها أي أساس من الصحة سوى في عقلك إنتِ وبس..أستمتعي وعيشي اللحظة الحالية..عيشي الحاضر بلا ماضي وبلا مستقبل.

3-             ركزي في محاسن الشخص المرتبطة به, ويجب أن تقيمي علاقتك به بموضوعية, بلا تأثير من مخاوفك الوهمية عليكِ.

4-             يجب أن تُدركي إنه لا يوجد مخلوق كامل, كل شخص به الحسن والسئ مع بعضهما البعض..أتركي نفسك وأعطي لنفسك فرصة ترى الحسن في هذا الشخص.

5-             هذه نقطة مهمة جداً وأهم من النقاط السابقة.."لازم" تمارسي اليوجا والتأمل..في اليوجا سوف تغوصي في داخل ذاتك الحقيقية والتى فيها هتتعرفي على من هي هدى بالضبط..سوف تستطيعي أن تتصالحي مع نفسك وتقيمي مشاعرك وتقدري تتعاملي معها بشكل أعمق وسليم.

6-             يوجد كتاب يتحدث عن فوبيا الإرتباط أنصحك بقراءته وبعد ممارسة كل هذه الأشياء سوف لا تحتاجين بعد ذلك لمُعالج نفسي وسوف تصبحي إنتِ معالجة نفسك بنفسك J, الكتاب يحمل عنوان He’s Scared, She’ Scared.



شكرت هدى مُعالجها الخاص, وشعرت ولأول مرة بشعلة حماس بداخلها وإنها قادرة على التغيير وأن تعيش الحياة التي تريدها بالضبط..
ولهذا السبب وُلدت هدى من أول وجديد..
J

4 comments: