كنت جالسة في غرفتي, حينما دخلت علي أختي الصغيرة "هدير", وجدتني أكتب
شئ ما, فجلست في صمت دون أن تدوي أي صوت, وعندما وجدتها هادئة كهذا بغير عادتها
بالطبع, فهممت وقلت لها: هدير أتذكر إنك كنتِ تسألين على أغنية هاني شاكر "نسيانك
صعب أكيد"..أهكذا ؟
فردت علي وقالت: نعم..
فقلت لها: ها هي تفضلي J
وخلعت سماعة الرأس من على رأسي وقمت بتلبيسها
إياها..
الأغنية كانت تقريباً ثمان دقائق...فوجدت هدير بعد الدقيقة الرابعة, قد
خلعت السماعة وهمت بالرحيل من الغرفة, فاستوقفتها وسألتها: هل الأغنية أنتهت
؟
فقالت لي: لا, ولكنها طويلة للغاية, فمللت منها.
أنتهت القصة !!
وهدير ذهبت من غرفتي, ولكن ظللت أنا أفكر فيما قالته وفعلته أختي
الصغيرة!!
فهدير تُحب كثيراً أغاني أم كلثوم – التي تتعدى الساعة الواحدة وأكثر –
وعبد الحليم حافظ ونجاة وغيرهم الكثيرين, الذين بالطبع مدة أغانيهم أكثر بكثير من
مدة أغاني هاني شاكر!!
فلماذا كانت تُطيق سماع تلك الأغاني, ولم تطق أن تسمع أغنية هاني شاكر
كاملة ؟!!
ما الذي جعل فن أم كلثوم وعبد الحليم قائماً حتى هذه اللحظة, بل ويمتد
إلى أجيال تستعجل كل شئ في حياتها ؟!!
ما الذي جعل جيل في سن المراهقة – وهو سن هدير – يسمع أغنية أم كلثوم,
في حين إن أغاني عصرها الحالي لا تطيل أغانيه أكثر من أربع دقائق, ولو أطالت مدة
الأغنية أكثر من ذلك لا تسمعها ؟!
بالطبع يوجد حالياً فنانين أصواتهم رائعة وذات الحس المُرهف, فهل لو قام
هؤلاء الفنانون بعمل أغنية ولمدة ساعة كاملة سيسمعها أحد ؟
بالطبع لا..
لماذا ؟!
هل لأننا نفتقد لروح الإتقان في الوقت الحالي, وهدفنا الوحيد الآن هو
عمل أغنية مُربحة بصرف النظر عن جودتها ؟!!
أم هل المُطرب نفسه في الوقت الحالي أصبح نفسه قصير لا يستطيع أن يغني
أغنية مدتها تقترب من ساعة ؟
أم هل لأن المجال الفني حالياً أصبح يدخله الموهوب وغير الموهوب
؟!
جائز...
ولكن ما أُقنه حقاً بأن كل من أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة
وشادية وغيرهم الكثيرين من ابناء جيلهم كانوا يتقنون لكل عمل يقومون به, وكان هدفهم
الوحيد هو فنهم وإحترامهم لعقلية جماهيرهم, كانوا يخدمون فنهم بحق وحقيقي, مثل ما
خدمهم فنهم أيضاً.
فالإتقان كان ما يُميزهم..والجودة ما تشغلهم..ولذلك ظل فنهم قائماً حتى
الآن, وسيظل قائما إلى أخر الزمان, ليس فقط في الوطن العربي بل في العالم
أجمع..
لأن الإتقان هو المفتاح السحري للنجاة بعملك, فبدون الإتقان لا يتذكرك
أحداً, حتى وأن كنت على قيد الحياة.
دعوة لي ولكم حتى نُتقن في عملنا.