وعلى الرغم من أن شعور فقدان شخص عزيز على قلبك صعب للغاية, إلا أنني
أختبرت إحساساً كان أصعب منه بكثير.
***
منذ شهور مضت ظهرت بعض البثور على جلد الكف الأيمن والأيسر لأمي؛ ولأنها لا
تهتم كثيراً بصحتها مقارنة بقلقها علينا نحن –أولادها-- وصحتهم هي الأهم بالنسبة
لها, تجاهلت الأمر تماماً ولم تذهب للطبيب للإطمئنان على الأقل على صحتها وعن
أسباب تلك البثور, ولكن بعد إصرار منا قررت الذهاب إلى الطبيب والتي أخبرتها بأنها
يجب أن تقوم بعمل بعض التحاليل للإطمئنان على حالتها, وأيضاً كتبت لها بعض الأدوية
لعلاج تلك البثور.
لم تلتزم أمي بالعلاج طويلاً, وأيضاً لم تقم بعمل التحليل المطلوب منها,
وبعد عدة أسابيع تجاهلت أيضاً متابعة العلاج, مما نتج عنه زيادة تلك البثور على الكفين.
ظلت على هذا الحال لم تتلقى العلاج ولم تقم بعمل التحليل, إلى أن تفاقمت
تلك البثور وأصبحت تسبب لها بعضاً من الإحساس بالحك, وكان ذلك بعد وفاة أبي رحمه
الله, ولذلك قررنا أن نذهب بها إلى طبيباً أخر ترتاح له أكثر, وبالفعل طلب منا
الطبيب أن نقوم بعمل نفس التحليل وكان ذلك أول أمس, بالإضافة إلى تناول بعض
الأدوية الأخرى, وبالفعل قمنا بعمل التحليل هذه المرة وكان تحليل مبدئي لفيروس سي,
وكان هذا هو التحليل المطلوب!
حيث قال لنا الطبيب ربما تكون تلك البثور ناتجة عن فيروس بالجسم لا تدري
أمي به, هذا وقد قلقنا أكثر وأكثر عندما قال لنا بأن هيئة أمي تدل على أنها مريضة,
لم يعلم الطبيب بأننا نمر أصلاً بظروف حزينة بسبب وفاة أبي, وأن أمي لم تنم من وقت
الحادث تقريباً, كلنا ينام إلا هي.
ذهبنا إلى معمل التحاليل أنا وأمي وعمتي, كانت قدمنا تكاد أن لا تحملنا أنا
وعمتي من شدة قلقنا على أمي, التي كانت عادية وطبيعية جداً ولا يهمها شيئاً بالمرة,
انتظرنا دورنا إلى أن يأتي ونحن في غاية الإرهاق ليس من شئ ولكن من خوفنا وقلقنا
على أمي, فكيف لها أن تُصاب بذلك المرض يا الله؟!
ولكننا راضيين تماماً يا الله بكل شئ تكتبه علينا, ولكن هوناً علينا يا
رحمن, فنحن عاطفياً مُنهكين بسبب وفاة أبي ولا نقدر على تحمل أشياءاً أخرى..يا
الله كن معنا..
وجاء دورنا في التحليل, كانت أمي تضحك معنا وكأن شيئاً لم يكن, بينما كنت
أنا واقفة وتكاد قدماي لا يحملاني من شدة القلق, وعمتي همت بالبكاء ولكنني نظرت
إليها بحدة حتى لا تشعر أمي بما تفعل وتقلق على نفسها.
أنتهينا من التحليل وسألت طبيبة التحاليل متى سنأخذ النتيجة؟
قالت لي: غداً في الثامنة.
قُلت لها: صباحاً أم مساءاً؟!
ابتسمت وقالت لي: مساءاً.
يا الله الطبيبة تقول لي النتيجة
سنحصل عليها في الثامنة مساءاً, تقولها وكأن الانتظار هذا شيئاً عادياً, لا تعلم
أنني سأموت من الانتظار في تلك الساعات القادمة, لا تعلم أنني لا أستطيع أن أتحمل
الدقائق بل الثواني القادمة.
خرجنا من المعمل ونحن في شرود تام أنا وعمتي كنا نفكر في نتيجة التحليل,
وأمي كانت تفكر في شيئاً أخر خاص بمشكلة تتعلق بأخي!
لم نتحدث إلى بعضنا, الجميع في حالة شرود تام, أنا أفكر في ماذا لو كانت
نتيجة التحليل إيجابية؟!
لم أقدر على تحمل آلم أمي لم أقدر, فكيف لي أن أنظر إليها وهي تتألم وأنا
غير قادرة على فعل أي شئ من أجلها؟!
كنت أتحدث إلى نفسي كثيراً في تلك الفترة, كنت أفكر في كل شئ سئ من الممكن
أن يحدث, جميع الأفكار السيئة كانت تداعب رأسي وأنا في طريقي إلى المنزل.
إلى أن قررت أن أوقف تفكيري هذا وأقول وما المشكلة إذا حدث لنا ما لا
نريد؟!
ماذا سيحدث إذا أصيبت أمي بذلك المرض لا قدر الله؟!
وجدت نفسي أهيأ نفسي على سماع خبر بأن نتيجة التحليل إيجابية, ووجدت نفسي
أردد يا رب..لا حول ولا قوة إلا بالله..لا إله إلا الله آمنت بالله..أستغفر الله
العظيم..الحمدلله على كل شئ...
وجدت نفسي أردد تلك الكلمات إلى أن أنزل الله على قلبي نوع من الراحة
والإطمئان...
ذهبت إلى المنزل أشغلت حاسوبي الآلي تحدثت مع صديقتي القريبة من قلبي, كنت
أكتب لها وأنا أرتعش خوفاً على أمي, رددت على مسامعي كلمات أثلجت صدري, وفور أن
أنتهيت من كلامي معها أخذت أبحث عن مرض فيروس سي على جوجل..علمت بأن ذلك المرض
يأتي من خلال نقل الدم أو من أدوات طبيب الأسنان الطبية غير المُعقمة أو من تناول
المخدرات أو الإتصال الجنسي...وبعد ذلك أخذت أبحث عن أعراض المرض والتي وجدت أن
بعضاً منها ينطبق بالفعل على أمي مما بث في نفسي القلق أكثر..
تصفحت بعد ذلك الفيسبوك, فوجدت صديقة تتحدث عن حادثة وفاة والدها, وصديقة
أخرى علقت على منشورها وقصت لها بأن والدتها أصيبت بمرض فيروس سي عن طريق نقل الدم
لها بمستشفى خاص, شعرت حينها أن الله يطمئنني بتلك القصة فحمداً لله لم تنقل أمي
دماً..
أغلقت حاسوبي وتوضأت وقررت أن أقيم الليل وأجعل دعائي مخصص لأمي في تلك
الليلة, أنتهيت من قيام الليل وصلاة الفجر, بعد ذلك شعرت بالنعاس من شدة الإرهاق
والتعب.
نمت وكأنني لم أنم لمدة سنوات..استيقظت باكراً على صوت أفزعني يقول لي: ماما,
ومن بعد ذلك الصوت لم أستطع أن أنم مرة أخرى, ولكي أهدأ من روعتي كنت أردد
"لا إله إلا الله آمنت بالله", كنت أهدأ بالفعل, ولكن بعد ساعة أو
ساعتين كانت مخاوفي تعود لي مرة ثانية.
أمسكت بكتاب "لا تحزن" وبدأت أتصفحه وقرأت به بعض الفقرات التي
كانت بمثابة الدواء لمخاوفي وقلقي..يا الله كنت حقيقياً أشعر بمعية الله معي في كل
خطوة.
ظللت أشعر بالخوف والقلق إلى ما يقرب من الساعة الخامسة مساءاً, وكنت عندما
أشعر بالخوف أذكر الله..يطمئن قلبي, ومن بعدها توكلت على الخالق, ولم أشعر بالخوف
مرة ثانية بل كنت مطمئنة تماماً, وكنت مطمئنة بأن نتيجة التحليل ستأتي في صالح أمي
بإذن الرحمن الرحيم بنا.
دقت الثامنة مساءاً!!!
عندها أتصلت بي عمتي وقالت لي: بأنها أتصلت بمعمل التحاليل وقالوا لها بأن
النتيجة ستظهر في التاسعة!
يا الله, لم أعد أحتمل, أنا حقاً مطمئنة لنتيجة التحليل ولكنني أريد اليقين
يا رب.
وهنا أتصلت بي عمتي مرة ثانية على الساعة الثامنة والنصف وصوتها ملئ بالفرح
أخبرتني بأن نتيجة التحليل سلبية!!
الله أكبر..الله أكبر...الله أكبر
أخذت أردد الحمدلله الحمدلله الحمدلله, ذهبت إلى أمي وأنا أشعر بالفرحة
العارمة تملؤني, قُلت لها: الحمدلله يا أمي نتيجة التحليل سلبية.
نظرت إلي وقالت لي: كنت أعلم ذلك, فأنا ثقتي بالله كبيرة وليست لها حدود,
وهذا الأمر لم يكن يشغلني.
تطلعت إليها وقُلت لها: أنا يا أمي بسببك مررت بأسوأ ساعات على قلبي, وأخذت
أقص عليها ما كنت عليه بالأمس.
تعجبت هي كثيراً لأنها لم تشعر بقلقي عليها, وفرحت بنفسي كثيراً لأنني كنت
ممثلة هايلة..
No comments:
Post a Comment