Sep 13, 2016

أصدقاء الأزمات




تعرضت للوم الكثيرين من الأصدقاء بعدما أخفيت عليهم نبأ وفاة أبي, فكانوا يريدون أن يقفوا بجانبي يساندونني ويدعمونني, يمسحوا دموعي التي كادت أن تحفر الثقوب في وجنتي من شدتها, ولكنني فضلت أن أخفي عليهم هذا الخبر الأليم, ظناً مني أن هذا أفضل شئ فعلته من أجل نفسي!

نعم من أجل نفسي, فأنا شخصية شديدة الضعف, مهما تظاهرت بالقوة والتماسك والجمود, إلا أنني بداخلي إنسانة هشة, تبكي وتتألم, أخفيت عليهن نبأ وفاة أبي حتى لا أنهار بداخل أحضانهن, أخفيت عليهن حتى أتظاهر بالقوة أمام عائلتي حتى نهاية المطاف, فكنت أعلم بداخلي أن رؤية صديقاتي يكاد أن يدمرني من شدة عطفهن وحنانهن علي, ولذلك قررت أن أعيش حزني وحدي, فأنا أعلم من أعماق قلبي أن الكثير من الأصدقاء شعروا بنفس الألم الذي شعرت به بل وأكثر.

ولكن, لم أستطع أن أخفي ذلك الخبر مدة طويلة, فقد أعلنت نبأ وفاة أبي في شكل قصة كتبتها وأنا أتألم وأتذكر كل شئ كأنني أعيشه مرة ثانية, كتبتها لأن الكتابة كانت الشئ الوحيد الذي يريحني, كتبتها لنفسي, عبرت بها عن ما دار بداخلي من إنكسار ومشاعر ووجع, كتبتها وأنا أبكي.

وبعد حوالي ساعتان من نزول القصة على الفيسبوك, جاءت إلي صديقة عمري مهرولة وأصطحبت معها والدتها --بملابسها الخاصة بالمنزل-- التي أعتبرها مثل أمي بالضبط, جاءت إلي الساعة 12 بعد منتصف الليل, بلا أي منطق أو عقل هل هذا وقت مناسب أم لأ, جاءت إلي وهي لا شئ يدور بذهنها سوى أنها تريد رؤية ندا, ندا حبيبتها, ندا هي هدفها فقط, بلا أدني إعتبار لأي معايير أو مقاييس أخرى.


كنت في تلك التوقيت في طريقي إلى الخلود في النوم, حيث أنني أعتدت السهر من بعد وفاة أبي, وأصبح نومي بلا مواعيد كما كان في السابق, سمعت صوتها دعيت الله في سري أن لا أنهار أمامها حتى أكمل مسيرتي أمام الجميع في التظاهر بالقوة, وعند رؤيتها ظللت أضحك, لأنني لو لم أضحك سوف أبكي وأبكي بحرقة شديدة بحضنها, فهي أقرب إنسانة إلى قلبي, فكيف لي أن لا أنهار أمامها, ولو لم أنهار أمام تلك الصديقة, فأمام من سوف أنهار إذن؟!

أخذتني بحضنها عندما رأتني وكان حضناً طويلاً دافئاً, بعدت نفسي عنها لكي لا أبكي أمام أمي التي كانت ترمقنا بعيونها, لأنني أعلم جيداً لو بكيت فستبكي أمي, وأنا لا أريد رؤية دموع أمي, أصلاً لا أستطيع تحمل رؤية دموعها, جلست أنا وصديقتي نتجاذب أطراف الحديث في أي شئ, وبعد ذلك تطرق حديثنا للحادث وما تعرض له أبي, طلبت منها أن لا نتحدث عن الحادث أمام والدتي, فأحترمت هي رغبتي وتحدثت مع أمي عن ابنها, بعد ذلك تركتنا أمي نجلس سوياً لبرهة من الوقت.
فجأة وبدون مقدمات...


جذبتني صديقتي إلى حضنها وأخذت تبكي, وأنا مازلت أضحك حتى لا تنزل دموعي خلسة, ظلت تبكي بحضني وتُقبل كتفي وتقول لي: ليه حرمتيني من أني أقف جنبك, كان نفسي أكون معاكي أوي, ليه يا ندا تعملي فيا كدة, ليه.

كانت تقول تلك الكلمات وهي تبكي, وبعد ذلك جففت دموعها بملابسي التي كنت أرتديها, وقالت لي: أنا مسافرة الساعة 9 الصبح, أنا معرفتش الخبر إلا من بابا لما شاف البوست اللي كتبتيه على الفيسبوك, ولولا سفري كنت هبات معاكي غصب عنك.

كنت أنظر إليها وأنا مبتسمة, ولكن بداخلي بركاناً من الحزن والضيق, كنت حزينة لأنني كنت أتمنى أن تبقى صديقتي معي, فهي الوحيدة التي فعلت ما أريد دون أن أتفوه به, فالجميع يستإذن أن يأتي ليواسيني إلا هي جاءت أقتحمتني, وهذا ما كنت أحتاجه وأريده بالضبط, فأنا أريد حقاً المواساة, أريد من يجذبني إلى حضنه, أريد من يأتي إلي فجأة لكي يظل بجانبي, وهي الشخص الوحيد الذي فعل ما أرغب به حقاً, من دون أن أطلب منها ذلك.

وبعد حوالي ساعة إلا ربع همت صديقتي بالرحيل, قمت لكي أودعها وأنا في غاية الحزن والأسى لسفرها, ولكن ما باليد حيلة فيجب أن تسافر ويستحيل تأجيل سفرها, علقت بحضنها وأنا أودعها وكانت هي تحتضني بقوة لم أراها منها من قبل, كنت أتمنى لو بكيت بحضنها, ولكنني كان يجب علي أن أتظاهر بالتماسك من أجلها, فأنا لا أرغب في أن تقلق علي, قولت لها: أطمني أنا كويسة متقلقيش عليا.

ردت علي وقالت لي وهي تحتضني بدفئ شديد: لأ إنتِ مش كويسة..

كانت تشعر بنبض قلبي وهي تحتضني, أنا فعلاً قلبي كان ينبض مسرعاً, كان ينبض من أجل أن يرجوها تظل معي, ولكنني أخترت التظاهر القوة حتى لا تحزن علي حبيبتي.

بعدما تركتني متجهة إلى منزلها, شعرت حينها أنني لم أكن قوية كما كنت أظن, فأنا كنت قوية فقط لأن صديقاتي ليسوا معي, وعندما جاءت أقرب صديقة إلى قلبي إلي, حينها علمت أنني في غاية الضعف بوجودها, فأنا ضعيفة بوجود صديقاتي.

ما لا تعلمه صديقتي أنني بكيت كثيراً بعدما تركتني, شعرت أن أبي كأنه توفى لتوه, سهرت لساعات أطول, كنت أتمنى لو أهرول إليها وأقول لها لا تتركيني فأنا في أشد الإحتياج إليكِ, في أشد الإحتياج إلى كلامك حتى كلامك الصامت, في أشد الإحتياج إلى حضنك الدافئ, بعترف أن عمري ما صرحت لأحداً وقولت له أنني في حاجة إليه, ولكنني الآن أصرح وبعلو صوتي وأقول لكِ أنا في حاجة إليكِ يا صديقتي, كوني بجانبي, أعلم أن سفرك هو السبب الوحيد لفراقنا, ولكنني ليس لدي سوى قلمي لكي أعبر لكِ عن مدى حبي وإشتياقي وإحتياجي لكِ.


وعندما قررت أن أنام  بعدما ذهبتي إلى منزلك حلمت بكِ, يااااااااااااه إلى هذه الدرجة أنا رافضة سفرك, بالرغم من أنني أعلم أنه غصب عنك ولكني أرفضه, أرفض سفرك, أرفض بُعدك عني, أرفض المكالمات التليفونية فأنا أريدك أنتِ دم ولحم, وبعدما أستيقظت وجدت رسالتك على الفيسبوك فرحت كثيراً, شعرت حينها أن دفئ كلماتك مازالت تطمئنني برغم بُعدك عني, فرحت لضيقك وغضبك مني المُحق, قدرت مدى زعلك مني, فأنا أقول لكِ أنتِ معكِ كل الحق فأنا مُخطئة بحقك, كان يجب علي أن أخبرك بما أمر به, كان يجب علي أن أخبرك لكي أصرخ بحضنك, ولكن للأسف أخبرتك والوقت كان قد فات.

صديقتي أنا أحبك حباً جماً, حب أرفض حتى أن أصرح لكِ به, أعلم أنني أعبر لكِ عن مشاعري من حين لأخر, ولكن ما أعبر عنه هو جزء ضئيل جداً مما أكنه بداخل قلبي ووجداني لكِ, أنا أحبك لدرجة أنني لم أتذكر كيف كنا نفترق وكانت حياتنا تستمر بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يكن.
صديقتي أنا بحبك, كوني بجانبي دائماً ولا تتخلي عني حتى لو كنت ببعدك عني, رجاءاً قربي إنتِ. 

No comments:

Post a Comment