لا تستطيع أن تقول عليها أنها علاقة صداقة عادية مثلها مثل أي صداقة
أخرى, فهي علاقة بدأت وأنتهت بإحترام وحب
– بصرف النظر عن تفسيرك لمعنى الحب-- متبادل لكل منا للأخر, وحتى هذه اللحظة لو مر
أحداً منا بموقف عصيب وجب على الأخر مساندته إلى أن يتخطى أزمته, فهى علاقة صداقة
ستبقى هيبتها بداخلنا ما حيينا.
***
في بادئ الأمر وجب التنويه إلى إنني شخصية عادية جداً مثلي مثل
الكثيرون, تخرجت من الجامعة ومثل أي شخص كان يجب عليه البحث عن عمل, وبما أنني كنت
شخصية لا تعلم ما هي أحلامها أو حتى أهدافها, وكنت مثل الريشة في الهواء الطلق
يأرجحها الهواء كيفما يشاء بلا واجهة أو طريق يجب علي السير به, فكان يجب علي أن
أبحث عن أي شئ إلى أن أعرف بالضبط ماذا أريد.
وفي يوماً ما كنت جالسة على حاسوبي الآلي أتصفح مواقع التواصل الإجتماعي
وتحديداً كنت أتصفح الفيسبوك, وجدت إعلاناً لمنحة تتعلق بالدكتور إبراهيم الفقي
رحمة الله عليه, وكانت المنحة تُعرف حينذاك بمنحة الفقي, في حقيقة الأمر فرحت بتلك
المنحة كثيراً, فكان إبراهيم الفقي مثلي الأعلى فكنت أقرأ كتبه عندما كنت طالبة
بالجامعة وأيضاً حضرت ندوة مجانية له وأنا في الجامعة, بث في نفسي الكثير من الطاقة
الإيجابية والحماس والنشاط, ولذلك فقد قررت أن أحصل على تلك المنحة, وبالفعل ذهبت
للمركز الكندي الذي ستقام به المنحة وحجزت مقعدي بداخلها, علمت بأن المنحة مدتها ست
شهور متتالية لأن المواد الدراسية بها كثيرة وهذا الوقت بالكاد يكفي لجميع تلك
المواد الدراسية.
وجاء موعد أول يوم لي بالمنحة الصباحية, فحجزت حينذاك بالمواعيد
الصباحية بدلاً من المسائية, كنت وقتها شديدة الضيق والملل من كل شئ في الحياة,
ذهبت المنحة وأنا مقررة بداخل نفسي أنني لا أريد أن أتعرف على أي شخص, فأنا فقط
أريد العلم ولا أريد صداقات أو أي علاقات إجتماعية, لماذا كنت أرغب في
ذلك؟!
من الممكن أن أصرح عن السبب في مقال أو قصة قصيرة أخرى, ولكن ما أود أن
أخبرك به في الوقت الحالي أنني كنت ذاهبة إلى هذه المنحة وأنا لا أرغب مُطلقاً في
تكوين علاقات إجتماعية مهما كانت نوع تلك العلاقات.
وبالفعل حضرت أول يوم وقررت أن أجلس في المقعد الأمامي أمام المُحاضر,
كان بجانبي مجموعة من الفتيات الأخريات, ولأنني شخصية إجتماعية وبنوع من التلقائية
الشديدة ابتسمت لهن وتجاذبنا سوياً أطراف الحديث وتعرفنا على بعضنا البعض, ولكن في
أوقات الراحة كنت أفضل الجلوس وحدي, فكنت أكل وحدي وأذهب إلى المسجد --الذي كان
يتواجد بجانب المركز-- لأداء فريضة الصلاة أيضاً وحدي, فأنا كما قلت في السابق لا
أريد أحداً.
أحياناً كنت أتحدث هاتفياً في أوقات الراحة إلى صديقتي "شاهندة" القريبة
من قلبي إلى وقتنا هذا, وأحياناً كنت أفضل المكوث وحدي.
ولكن سرعان ما مللت الوحدة فأنا شخصية تُحب الناس بكل أنواعهم ومميزاتهم
وعيوبهم, وأحب أن أبقى دائماً مع الناس ووسطهم, ولهذا السبب بدأت أن أشارك وقت
الراحة الخاص بي مع بعض فتيات المنحة, كنا نأكل سوياً ونصلي سوياً, ولكنني كنت
وقتها لا أفضل هؤلاء الفتيات لأنني كنت أشعر أنهن مختلفين عني تماماً في كل شئ,
ولكن ليس كان أمامي أحداً سواهن, فبقيت معهن ولمدة أسبوعان فقط
تقريباً.
كانت قاعة المحاضرات الخاصة بالمنحة مُقسمة بشكل غريب إلى حد ما, فكان
يوجد صفوفاً أمامية وصفوفاً أخرى خلفية مثل باقي القاعات, ولكن كانت تختلف تلك
القاعة في أنها كان يوجد على يسار الصفوف الأمامية مكاناً يشبه المقصورة, وكان من
يجلس في تلك المقصورة يُعتبر أنه من ضمن من يجلسون في الصفوف
الأمامية.
كان يجلس في تلك المقصورة مجموعة من الشباب والنساء, وكانت من ضمن
النساء بنت؛ لأول وهلة شعرت بأنها بنت متكبرة وسخيفة جداً, ولذلك كنت أتجنب الحديث
معها بالرغم من أنني كنت أتحدث كثيراً مع صديقتها بالمنحة
حينذاك.
في ذلك الوقت كنا ندرس الإتيكيت, فطلبت منا محاضرة الإتيكيت أن نقوم
بعمل أنشطة معينة حتى نستوعب ما قيل, فقامت بتقسيمنا إلى مجموعات عشوائية, وكانت
تلك الفتاة التي لا أرغب في الحديث معها من ضمن مجموعتي للأسف, فعندما كنا نقوم
بالنشاط كانت تتحدث إلينا بمنتهى التكبر والغرور, وهذا ما جعلني أستاء منها أكثر
وأكثر, ودعوت الله أن ننتهي من ذلك النشاط في أسرع وقت, وبالفعل أنتهى النشاط وعاد
الجميع إلى حيث أتوا.
ظللنا على هذا الحال إلى ما يقرب من شهر تقريباً, إلى أن تعرفت أكثر على
جميع صديقات تلك الفتاة وأصبح لدينا حوار مشترك فيما بيننا, وفي يوم من الأيام
قررنا أن نتنزه بعد إنتهاءنا من محاضرات اليوم, وبالفعل ذهبنا في سيارة امرأة كانت
معنا بالمنحة وكانت تلك المرأة صديقة الفتاة التي أتحدث عنها, ذهبنا في ذلك الوقت
إلى مطعم يقدم السندويتشات المختلفة التي لا أتذكر طعمها في الوقت الحالي, ولكني
أتذكر أننا ألتهمنا الأكل بشكل رهيب, وهناك كان شئ طبيعي جداً أن نتجاذب أنا
والفتاة التي لا أطيقها أطراف الحديث, وهنا شعرت أنني لم أعرف أن أحكم على الآخرين
أو أكون رأي من النظرة الأولى, فوجدت أنها شخصية لطيفة جداً, إجتماعية, تضحك وتمزح
مع الجميع, خفيفة الظل, كانت دائماً وأبداً محور إهتمام من جميع صديقاتها لشخصيتها
الرائعة, وعندما وجدتها بهذا الشكل تمنيت أن نصبح صديقتان, نعم هي من جعلتني لم
ألتزم بقراري في عدم تكوين علاقات إجتماعية, ولم أندم على قراري هذا فيما
بعد.
تكررت تنزهتنا بالطبع, وتبادلنا سوياً أرقام الهاتف وحسابنا الشخصي على
الفيسبوك, وفي مرة من مرات تنزهتنا تلك صرحت لي هذه الفتاة بسر من أسرارها الشخصية
العميقة الذي كان يؤرقها, بالتأكيد تفاجئت كثيراً لمصارحتها لي بهذا الأمر, ولكنني
فرحت كثيراً لأن حينها علمت بأنها أصبحت تثق بي إلى هذا الحد, وفي خلال شهرين كنت
أنا أقرب صديقة لديها وكانت هي أقرب صديقة لدي, أحببنا بعضنا حباً جماً إلى حد
يقترب من الإدمان, كنا نجلس بجانب بعضنا البعض بالمنحة وعندما نعود إلى المنزل نظل
نتحدث عن طريق الفيسبوك, كنا نقرأ سوياً ونتنزه سوياً مع صديقتنا الأخرى التي
مازالت علاقتي بها طيبة إلى الآن.
كانت المنحة سبباً في أن كل أحداً منا وجد في الأخر من يداوي جروحه من
حياته السابقة, فهي كانت السبب في أني أرغب مرة أخرى في تكوين علاقات إجتماعية,
وأنا كنت السبب في تخفيف أعباء حياتها العاطفية الماضية, فكل منا وجد في الثاني
الدفئ العاطفي.
أنتهت المنحة ولكن لم تنتهي صداقتنا بل توطدت أكثر وأكثر, بدأنا رحلة
البحث عن العمل حيث أننا أنتهينا من المنحة العقيمة التي ندمنا كثيراً على الإلتحاق
بها, ولكن ما جعلنا نمتن لها, هو أننا تعرفنا على بعضنا البعض أنا وصديقتي
تلك.
في بادئ الأمر قررنا العمل بمجال خدمة العملاء "كول سنتر", إلا أن
صديقتي رفضت العمل بهذا المجال لطبيعة مهامه الغير مناسبة لها, فقررنا العمل بمجال
الموارد البشرية, وبعد البحث والتنقيب في هذا المجال, وقتها علمنا أنه لا توجد بمصر
شركة إلا القليل جداً هم من لديهم قسم للموارد البشرية فعلاً, فيما عذا ذلك فكانت
مجرد أسماء يطلقونها على أنفسهم لا تمت بأي صلة للموارد البشرية, ولهذا السبب صرفنا
نظر عن هذا المجال أيضاً.
مكثنا في المنزل حوالي شهر تقريباً إلى أن حصلت أنا على وظيفة لم أكن
أحبها ولا أتذكر الآن طبيعتها, وعملت أيضاً صديقتي بمجال الموارد البشرية في مستشفى
في المحافظة التي كانت تقطن بها حيث أنها ليست من سُكان القاهرة, لم أكن سعيدة
بوظيفتي وهي أيضاً لم تكن مرتاحة بوظيفتها ولذلك تركنا العمل وعُدنا مرة أخرى إلى
المكوث بالمنزل.
في تلك الفترة كنا نتحدث سوياً إلى حد الإدمان, فكنا نتحدث حوالي 9
ساعات يومياً ما بين الفيسبوك والهاتف النقال, كنا نتحدث في كثير من الأشياء التي
أتذكرها إلى وقتنا الحالي, ولا داعي لذكرها حيث أن البعض منها كان تافهاً والبعض
الأخر كان عقلاني رومانسي عملي ثقافي قُل أي شئ, فكنا نتحدث في أي شئ وكل شئ
تقريباً فيما عدا السياسة على الرغم من أننا عصرنا ثورة يناير سوياً, كنا نخطط
لمستقبلنا سوياً كنا نضع الخطط والأهداف ونتناقش بها ولكن بلا جدوى, فكنا نتحدث
كثيراً بلا عمل أو تنفيذ لأي شئ من مخططاتنا, كنا نشاهد أيضاً الأفلام السينمائية
سوياً على الحاسوب الآلي كل منا في منزله, كنت أبكي في المشاهد الحزينة وتضحك هي
علي, وفي المشاهد الكوميدية كنا نضحك معاً, كانت حقاً علاقة مُدمرة لمستقبلنا من
شدة ضياع وقتنا في اللاشئ, ومع ذلك كنا لا نستطيع الإستغناء عن بعضنا, مهما تألمنا
من تلك العلاقة وتدميرها لمستقبلنا إلا أننا كنا نختار أي شئ أخر سوى
الفراق.
ليس كان لدينا شئ نفعله سوى التحدث سوياً, تناسينا العمل والبحث عن عمل,
كنا نأتي بالأكل الخاص بكل أحدِ منا ونأكله سوياً ونحن نتحدث على الفيسبوك, وإذا
كان هناك شئ يتعارض مع حديثنا, كنا نترك هذا الشئ ونختار حديثنا معاً, زياراتنا
العائلية تدريجياً قلت, وإذا قمنا بعمل زيارات عائلية كنا نتحدث هاتفياً ونحن في
الزيارة ونعود إلى منزلنا مُسرعاً حتى نكمل حديثنا على الفيسبوك, كانت صديقتي تلك
ترفض المصيف حتى لا تبعد عني, بالرغم من أنها في محافظة وأنا في أخرى أصلاً, ولكن
في المحافظة الأخرى التي من المفترض أن يكون بها المصيف لم يكن بها شبكة تليفونية
أو حتى إنترنت ولذلك فكانت تختار البقاء بمحافظتها حتى لا تنقطع
إتصالاتنا.
شعرنا فيما بعد أن تلك العلاقة أصبحت أضرارها أكثر بكثير من منافعها
خصوصاً أننا كنا نتشاجر كثيراً على أسباب تافهة جداً, وغالباً كنت أنا من أبدأ
بالشجار, وكانت هي تحاول جاهدة أن تمتص غضبي وتفعل ما يرضيني إلا أنني كنت شخصية
عنيدة ولا أقبل بشئ سوى ما أريده أنا مهما كانت العقبات, وبصرف النظر عن ما تريده
هي.
قررنا أن ننهي علاقتنا تلك بعدما أستنفذت كل مشاعرنا وطاقتنا, أبلغتني
صديقتي بقرارها هذا في رسالة عن طريق الفيسبوك, بالتأكيد صدمتني ولكن كان معها كل
الحق, وافقتها على هذا القرار وكنت إلى حد ما أشعر براحة وقتها لأنها هي من أنهت
العلاقة ولست أنا, لأني بالطبع لم أقدر على إنهاء صداقتنا بمحض
إرادتي.
مر يوم على فراقنا إلى أن أتصلت بي في اليوم التالي, وعُدنا كما كنا من
قبل بل وأكثر, التحدث ليل نهار, أيضاً بلا عمل, عندما نكون مع بعض نتحدث كثيراً,
وعندما لم نكن مع بعضنا البعض نشرد بخيالنا وكل منا يُفكر
بالأخر!!
ظللنا على هذا الحال حوالي سنة تقريباً, تتخلل تلك السنة الكثير من
المشاكل التافهة والكثير من الحب, والكثير من الكلام, لدرجة أننا قررنا أن نستشير
طبيب نفسي في تلك العلاقة المريضة, فلا توجد في الدنيا علاقة صداقة مثل تلك, فمن هم
الأصداقاء الذين يتحدثون بالتسع ساعات يومياً؟!
أين هم الأصدقاء الذين لا يفعلون شئ سوى الحديث مع
بعضهم؟!
أين هم الأصدقاء الذين يرفضون أن يقوموا بعمل أي شئ من أجل أن يظلوا فقط
مع أصدقائهم؟!
لا يوجد..سوانا!
ندا و....
ولذلك قررت أن أسأل بنفسي مجموعة من الأطباء النفسيين وكان رأيهم
كالتالي:
هناك من قال لي أن تلك العلاقة مريضة ويجب أن تنتهي
وفوراً.
وهناك من قال لي أنكما تمثلان لبعضكما البعض تؤام
الروح.
وهناك من قال لي أنها علاقة غير صحية ولابد أن نتخلص منها
تدريجياً.
وهناك من شك بنا وظن أننا....وبالطبع وضحت له أن ظنه خاطئ, نحن فقط مجرد
صديقتان تتعلق كل واحدة منا بالأخرى لا أكثر ولا أقل من ذلك.
كنا نسمع تلك الكلمات من الأطباء ونضحك عليهم, خصوصاً أنني قمت بنسخ
كلامهم هذا وأرسلته إلى صديقتي لكي تقرأه معي, كانت وقتها تقول لي أن المشاعر
تتأرجح ما بين الصعود والهبوط لا تقلقي من شئ يا ندا, سرعان ما تهدأ مشاعرنا مع
الوقت.
ظلت مشاكلنا المستمرة تزداد إلى حد أن أصدقاءنا الآخرون أستاءوا منا
كثيراً, وفي منهم من أقترح علينا بإنهاء تلك العلاقة, ولكن لا يدري أحداً منهم أننا
لا نستطيع أن ننهي علاقتنا إطلاقاً, نحن أحببنا بعضنا البعض إلى حد
الإدمان!
أبتعدنا عن باقي أصدقاءنا تدريجياً, إلى حد أن أصبحت حياتنا مقتصرة
علينا نحن فقط.
ذكرت في بداية القصة أن صديقتي تلك تتمتع بخفة ظل وشخصية رائعة؛ ولهذا
السبب كانت تصادق إناس أخرون من مجموعة المنحة المسائية أيضاً, وكان من ضمن هؤلاء
الأصدقاء شخص كانت تعتبره صديقها الصدوق.
وفي يوم من الأيام أقترب موعد يوم ميلاد صديقتي ولهذا فقد قررت أن أحتفل
بها هذه السنة, وأفعل من أجلها مفاجأة, ولهذا فقد أتصلت بجميع أصدقاءنا الذين
تركناهم ولكنهم كانوا يقدرون علاقتنا تلك ولهذا السبب لم يشعروا بالضيق منا ولكن
كانوا يشعرون بالضيق من أجلنا, وأرسلت أيضاً لصديقها الصدوق هذا رسالة عبر الفيسبوك
لإخباره بموعد الحفل, فوافق على الفور وسألني عن نوع الهدايا التي تفضلها, فقُلت له
أنها تُحب الفِضة, في ذلك الوقت شعرت هي بكل ترتيبات هذا الحفل قبل مجئ موعد الحفل,
لأنها كانت تشعر بي ولا أستطيع أن أخفي عنها شيئاً, لأن حدسها كان قوي جداً بجميع
من حولها, فطلبت مني قبل موعد الحفل بيومان أن تأتي القاهرة –مكان عيد الميلاد--
بإصطحاب شخص كان مُتقدم للزواج منها, وبالتأكيد وافقنا جميعاً على طلبها
هذا.
وفي يوم الحفل كنا مستمتعين للغاية, كانت صديقتي مستمتعة معنا لأنها مع
أقرب الأصدقاء إليها وليست مستمتعة لأن معها الشخص الذي سيكون خطيبها مستقبلاً, فهي
لم تشعر به أصلاً, استمتعنا جميعنا بوقتنا وقمنا بتقطيع التورتة إلى أن صديق صديقتي
هذا وصديقة أخرى قررا أن يقوما بطلب أكل لهما, وظللت أنا وصديقتي وخطيبها
"مستقبلاً" معاً, كانت ممسكة بيدي وتسند رأسها على كتفي, فقال لها هذا الخطيب إنك
لم تشعري بقلق أو توتر لوجود ندا بجانبك, بينما عندما نكون وحدنا تتوترين كثيراً,
فردت عليه بإستغراب فقالت له: بالتأكيد هذا صحيح.
ظللت مُنصتة فقط لما يقولون ولم أتفوه ولو بكلمة واحدة, ولكني كنت سعيدة
بداخلي لأني كنت مصدر إطمئنان وأمان لها, في نفس ذلك اليوم وبعد إنتهاء الحفل شعرت
صديقتي بأن هذا الخطيب غير مناسب لها بالمرة, ولهذا فقد قررت أن تخبره بحقيقة
شعورها نحوه في اليوم التالي, ولهذا لم تتم خطبة صديقتي.
بالطبع وبما أننا كنا نتحدث يومياً, فعندما أنتهى حفل عيد الميلاد سهرنا
أنا وهي نتناقش عن ما جرى في ذلك اليوم, تحدثنا في كل شئ تقريباً, أخبرتني صديقتي
في تلك الليلة بأنها تحمل مشاعر طيبة إلى صديقها الصدوق, وبالطبع فهو لم يعلم
بحقيقة شعورها نحوه حينذاك, وهي أيضاً لم تكن تتأكد عن ماهية تلك المشاعر
بالضبط.
بعد ذلك الحدث بفترة ليست قصيرة حدثت ما بنا مشكلة ما لا أتذكرها الآن,
ولكن بالتأكيد كانت مشكلة "تافهة", وكان على أثرها أن أرسلت إلى صديقتي رسالة نصية
تحتوي على "أنا بكرهك جداً ومش عايزة أعرفك تاني", بالطبع أتصلت بي كثيراً ولم أرد
عليها إلى أن أغلقت الهاتف منها تماماً, كنت في تلك الفترة قد ألتحقت بعمل في شركة
ما, وكان ثاني يوم من إرسالي لهذه الرسالة هو أول يوم عمل لي, فرحت كثيراً بذلك العمل لأنه سوف يكون السبب في إنشغالي عن
التفكير في "صديقتي", كانت هي لا تعمل في تلك الفترة ولذلك فقد تألمت كثيراً لفراقي
خصوصاً بعدما قُلت لها أنا أكرهك!
فكيف لي أن أكرها بالطبع كنت أكذب عليها, ولكن هذا ما
حدث.
بقينا على تلك الحالة طيلة ما يقرب من شهران إلى أن أتصلت بها, كنت
أشتاق إليها كثيراً, ردت علي بمنتهى البرود وبالطبع كان معها كل الحق, فكيف لي أن
أذهب وأعود كيفما شئت دون إعتبار لإرادتها ولمشاعرها ؟!
ما هذا الجبروت؟!
كانت مكالمة هاتفية شديدة السُخف, أنهينا المكالمة عندما طلبت مني أن لا
أتصل بها مُجدداً, طلبها هذا صدمني ولكن سرعان ما تذكرت ما فعلته بها, أغلقت معها
وأنا متخذة قرار بعدم التحدث إليها مرة أخرى مهما كانت
الأسباب.
ولكن..!!
وللأسف الشديد أرسلت إليها رسالة عبر الفيسبوك بحجة أن أساعدها في تعلم
اللغة الإنجليزية, بالطبع فأنا أرسلت تلك الرسالة لأنني أريد أن أكلمها فقط, دون
إعتبار لتعلم لغة أو أي شئ غير أنني أشتقت إليها, رحبت صديقتي بفكرة مساعدتها على
تعلم اللغة فهي أيضاً كانت حجة مُرضية بالنسبة لها للتواصل معي, حاولت أساعدها بقدر
الإمكان في التعلم إلا أنها قد ملت من أسلوبي في الشرح, فكنت عنيفة معها كثيراً ولا
أعلم السبب.
بعدها بفترة طلبت مني أن لا أعلمها ولا أتحدث معها مرة أخرى, بعد تلك
الرسالة قررت وبشكل نهائي أن لا أتحدث معها ثانية "ولو شو ما صار يصير", وبكل فخر
كنت عند حُسن ظني ولم أتصل بها إطلاقاً.
في تلك الأثناء مررت بفترة عصيبة كانت تؤثر على حالتي النفسية
والمزاجية, ولأن صديقتي تلك كانت تشعر بي دون أن أتفوه بكلمة, أتصلت هي بي, وبكت
ظناً منها أنها ليس بمقدورها أن تفعل أي شئ من أجلى حتى أتخطى تلك الحالة السيئة,
فرحت كثيراً بمكالمتها تلك, ومن بعد تلك المكالمة عُدنا كما كنا وكأن شيئاً لم
يكن.
أثناء إنقطاع التواصل ما بنا والذي أستمر شهرين, أقتربت هي من صديقها
الذي وقف بجانبها وخفف عنها من حدة ألم الفراق الذي سببته لها, إلى أن صار يكمن
بداخل كل منهما للأخر مشاعر طيبة متبادلة, في بادئ الأمر لم تعرف هي حقيقة تلك
المشاعر, ولكنها كانت تسعد بمكالماته لها, كنت عندما أسمعها تتحدث عنه كنت أفرح من
أجلها كثيراً, كنت شديدة الفرح أنها أخيراً قلبها دق, وإني أعيش معها تلك الحالة
الجميلة, ولكن سرعان ما بدأت علاقتي بها تتوتر بعدما قل حديثها معي تدريجياً, وأصبح
صديقها هذا من يستحوذ على معظم وقتها.
لم أغار منه يوماً ولكن ما كان يؤلمني حقاً هو قلة إهتمامها بي, وللأسف
هذا الشئ كان واضح جداً على ملامحي وكان واضحاً أيضاً في نبرات
صوتي.
كنا نتنزه سوياً وكنت أفوجئ بأنه يأتي معها عندما نجتمع مع باقي
أصدقاءنا, لم أشعر بالضيق وقتها, ولكن ما جعلني أشعر حقاً بالضيق هو عندما تنزهنا
كلنا مع بعضنا البعض وعند منتصف النزهة, قالت لي: أسيبكم أنا بقى وهنمشي أنا
و...
شعرت بضيق وغيظ شديدين صحيح هي لم تتركني وحدي ولكن لماذا تتركنا
أصلاً؟!
إذا كانت لم تكمل النزهة معنا لأخرها فلماذا طلبت مني أن أكون معهم من
البداية؟!
بالطبع ظهر على ملامحي هذا الإنزعاج الشديد, ورفضت أن أسلم عليها, ولكن
لأن صديقها هذا كان يعلم مدى قوة علاقتنا وحساسيتها تحدث معي أنا وصديقتي فقط وقال
لي: يا ندا "فلانة" دي بتاعتك إنتِ, وأنا لو شوفت أن هي أتغيرت مش هعرفها
أصلاً.
في الواقع أن حديثه لي جعلني ابتسم إلى حد ما, وجعلني أيضاً أسلم على
صديقتي بل وأضمها إلى صدري بحب وود شديدين, ابتسم لنا هو الأخر وقررا أن يذهبا
سوياً, وبقيت أنا مع باقي أصدقاءنا, كنت بالطبع مازلت أشعر بضيق لفراقها لنا وعلمت
فيما بعد أنها هي أيضاً كانت تشعر بضيق لأفعالي تلك, وكان معها كل الحق, حيث أن أي
صديق من المفترض أن يساند صديقه حتى يجعله سعيداً ولكن أنا كنت أنانية إلى حد أنني
أريدها لي, من الممكن أن يشاركني بها الآخرون ولكن يجب على الجميع أن يعلم في
النهاية أنها لي.
يا لها من أنانية قاتلة!!
تحدث معي صديقها في ذلك اليوم هاتفياً وطلب مني أن أظل بجانب صديقتي
وأنني لا أضايقها مُطلقاً, وقال لي بالنص: في علاقتنا أنا و"فلانة" ممكن نحس بالممل
قُدام ف"فلانة" هتميل على مين إلا على حبيبه التاني؟!!
ولكن لأنني كنت شخصية عنيدة وأنانية حينذاك فلم أعمل بكلامه هذا, بل
وكثرت مشاكلنا معاً, إلى أن تقابلنا أنا وصديقتي فطلبت مني أن أساندها وأدعمها
وأكون بجانبها فهذا هو دور الصديق أصلاً, فأنا قوتها في الحياة "كانت تقول لي ذلك",
ولا أكون أنانية وأريدها لي وحدي, طلبت مني أن لا أتخلى عنها, وأتقبل وجود إرتباط
عاطفي بحياتها وهذا بالتأكيد سوف يجعل تواصلنا أقل عن السابق, رفضت ذلك الحديث
وطلبت منها أن تعيش حياتها كما تريد بحرية شديدة ولكن تظل معي أيضاً كما كانت,
وعندئذٍ قالت لي: أنا حاولت أبقى عليكي بس واضح أن مفيش فايدة, ندا أنا أصلاً مش
عايزة صحاب في حياتي.
وقعت صدى كلماتها كالصاعقة على مسامعي, وحدقت إليها, تركتها والدموع
كانت تحجب عني الرؤية بلا سلام.
كان ذلك اليوم هو اليوم الموافق الخميس 12 ديسمبر 2013 لست أحمل قلباً
أسوداً لأتذكر ذلك اليوم بالتاريخ, ولكن في نفس ذات اليوم كانت لدي محاضرة لوائل
الفخراني ومن شدة استمتاعي بتلك المحاضرة لم أنس تاريخها.
بعد تلك الواقعة ظللت من يوم 12 ديسمبر 2013 إلى تقريباً 30 أبريل 2014,
وأنا بعذاب لا ينتهي, كنت أتألم لفراقها, حزنت عليها كثيراً, أمتنعت عن الأكل, تركت
عملي, وبقيت وحيدة لا أريد أن أتحدث إلى أي شخص.
في الواقع عشت أسوأ أيام عمري لفقدانها وهي مازالت على قيد الحياة, لم
يعلم أحداً ما أمر به من ألم ووجع وأسى لفقدانها, إلى أن سرعان ما تخطيت تلك الأزمة
وعُدت من جديد لحياتي العملية والإجتماعية, كنت أحمل إلى تلك الصديقة كل مشاعر
الإحترام والود بعدما كنت أحمل لها مشاعر
الضيق والغيظ لما فعلت بي, ففي تلك الفترة عندما تركتني كنت أظن أنها تركتني لأنها
وجدت من يعوضها عن غيابي ووجدت من يعوضها عن العالم بأسره, ولكن بعدما مرت تلك
الفترة العصيبة أيقنت أنها تركتني لأن أنا من كنت أتسبب لها في الإرهاق العاطفي,
وأنا من كنت أنانية وليست هي.
لم أتذكر ماذا حدث بعد ذلك أو لماذا أرسلت لي رسالة عبر الفيسبوك تخبرني
بها أنها سوف تتم خطبتها بعد سنتان, شعرت أنها رسالة هزلية أفتعلتها لكي تتحدث إلي,
ولم أعلم أنها كانت مُحقة بها إلا فيما بعد, بالطبع فرحت من أجلها كثيراً, فأنا لم
أستطع أن أحمل لها سوى كل المشاعر النبيلة والجميلة, وعُدنا مرة أخرى ولكن ليس
كالسابق, كنت وقتها لم أتشافى نهائياً من جميع جروحي, وكان ذلك الإحساس يصلها
بالطبع, كنت أحاول جاهدة أن أبقى معها مثل السابق ولكني لم أستطع فعل ذلك, وما "زاد
الطين بلى", أنها تمت قراءة الفاتحة الخاصة بها ولم تخبرني, علمت بذلك الخبر عن
طريق الفيسبوك, بالطبع باركت لها لأنني كنت سعيدة حقاً من أجلها, ولكنني كنت أتمنى
أن تخبرني بذلك اليوم من قبل حدوثه, ولا تفاجئني به كالغرباء على الفيسبوك, تحدثنا
سوياً في ذلك اليوم واتفقنا أنني من سوف ينزل معها لشراء فستان الخطبة, فكنا دائماً
ما نحلم بفستان خطبتها كثيراً, وفي مرة من المرات قامت بقياس فستان للخطبة وأنا
معها قبل أن ترتبط أصلاً وظلت ترقص به داخل غرفة خلع الملابس, والأكثر من ذلك أنني
كنت وعدتها إذا سافرت قبل أن تتم خطبتها سوف أشتري لها الفستان من الإمارات, كنت
أتمنى ذلك حقاً, ولكن للأسف لم يحدث.
أتصلت بي عندما أتيت إلى القاهرة لكي أصطحبها في شراء فستان الخطبة,
ولكني لم أجيب عليها, فكنت مريضة في ذلك الوقت ببرد شديد, وفي حقيقة الأمر لم أكن
مريضة إلى الحد الذي يجعلني لم أجيب عليها, ولكنني قررت عدم الإستجابة لمكالمتها,
كنت مازلت أحمل في نفسي بعض الضيق لما فعلته عندما تمت قراءة الفاتحة الخاصة بها
دون علمي, ولم أجب عليها ظناً مني أنها بالتأكيد يوجد هناك من يصطحبها في شراء ذلك
الفستان غيري, فهي لديها صديقات بالقاهرة وأيضاً بالمحافظة التي تقطن بها وبالطبع
هناك الكثيرون ممن يتمنى أن يأتي معها ليشاركها هذه
المناسبة.
تمت خطبتها ولم تعزمني عليها, فكيف لها أن تعزم صديقة تخلت عنها
؟!
فرحت كثيراً لخطبتها وشاهدت جميع صور الخطبة دون علمها, وبعد ذلك حذفتها
من حسابي الشخصي على الفيسبوك.
وقررت أن تكون هذه الصديقة صفحة وتم إغلاقها وبشكل نهائي بلا عودة من
حياتي, ولكن لم أستطع فعل ذلك, فعندما أرى شيئاً ما يذكرني بها على الفيسبوك أقوم
بإرسالها إليها وفي حقيقة الأمر كانت تعلق عليها.
لم أنس تلك الصديقة مُطلقاً, ونسيت تماماً جميع المواقف السيئة التي
حدثت ما بنا سواء كانت تلك المواقف من طرفي أو من طرفها هي, وبقيت فقط الذكرى
الطيبة التي أحملها لها.
لم نتحدث مُطلقاً مرة أخرى, ولكن ظللت عندما أرى شيئاً يذكرني بها أرسل
إليها ذلك الشئ, إلا أن حدث ما كان غير متوقع بالمرة, توفى أبي فجأة إثر حادث
سيارة, في لمح البصر لم يعد أبي معنا, تألمت كثيراً وعندما أفقت من الصدمة كانت
"صديقتي" تلك حاضرة بذهني, لا أعلم لماذا حضرت بذهني ولا كيف أخترقت ذهني بهذا
الشكل, قمت بكتابة قصة وفاة أبي وكانت بعنوان "ليلة وفاة أبي" وأرسلت إليها القصة,
أرسلتها ولا أعلم لماذا أرسلت إليها القصة تلك ؟!
لماذا أريد أن أخطرها بخبر وفاة أبي؟!
جائز لكي تأخذ عِظة من قصتي أو جائز لأنني أريدها هي
بجانبي!!
في الواقع لا أعلم السبب بالضبط حيث أنني كنت بحالة تخبط لا أدري كيفما
أتصرف, أرسلتها وأنا أعلم يقيناً أنها سوف ترسل إلي برسالة رداً على قصتي تلك وتقول
لي بداخلها "البقاء لله يا ندا", ولكن ما حدث منها كان غير متوقع بالمرة, حيث أنها
أصرت أن تتحدث إلي هاتفياً, كنت أخشى من ردي عليها, فأنا مازلت أحمل بداخلي تجاها
الكثير من المشاعر الطيبة ومكالمة مثل تلك قادرة على أن تجعلني أنهار أمامها, ولذلك
لم أجيب على مكالماتها, تكرر إتصالها بي بشكل أنا نفسي لم أتوقعه, ما كل هذا
الإصرار يا عزيزتي!!
أصرت أن تقف بجانبي في مِحنتي, حاولت أن أمنعها فأنا لا أريد مساعدة
أحد, ولا أريد أن تقف هي بالذات معي, فما ذنبها فنحن الآن ليس أصدقاء, إذن لماذا
تقف بجانبي, وتحاول أن تجعلني أتخطى مِحنتي؟!
تركت لها مساحة وفعلت من أجلها ما تريده, وافقت على رغبتها في أنها تظل
بجانبي, أتصلت أنا بها لكي أطمئنها علي, كانت مكالمة تدل على إنها شخصية نبيلة فلم
تتحدث معي عن شئ من الممكن أن يزعجني أو يؤلمني, بل تحدثت معي عن أي شئ وفي أي شئ
أخر, كنت أبكي وأنا أتحدث إليها ولكن حمداً لله لم تشعر هي ببكائي هذا, أنهينا
المكالمة وأكملت حديثها معي على الفيسبوك, حينها تذكرت ما كنا نفعل بالماضي سوياً,
كنا أيضاً نُنهي مكالمتنا ونكمل حديثنا على الفيسبوك.
عندما تحدثت إليها مجدداً لم أشعر مُطلقاً بأننا لم نتحدث طيلة عامان
كاملين, بل ما شعرت به حقاً هو أننا كنا نتحدث سوياً بالأمس, حتى لو كان الأمس هذا
عامين كاملين.
في الواقع تلك الصداقة تُعد من أغرب العلاقات الإجتماعية التي عاصرتها
وعيشتها في حياتي, فعلياً أنا لم أتذكر أي شئ سئ قد حدث ما بنا, لم أتذكر سوى أنها
الشخصية التي دافعت بحق عن صداقتنا وأنا من ضيع تلك
الصداقة..
وهذا كل ما أتذكره فقط...!!!