May 3, 2016

روح مُتعَبة



عمري ما تخيلت أن يصل بي الحال إلى هذه الدرجة !!
هل يُعقل إنني أدخر الأموال, لكي أذهب بنفسي عند الكِبر إلى دار للمسنين حتى أقيم بها ؟!

نعم, فأنا متزوجة ولدي أطفال, ولكنني لا أثق فيهم مُطلقاً, ولا أثق بأنهم سيهتمون بي عند كِبري..ولهذا السبب فأنا أدخر المال حتى أذهب إلى دار مُسنين مرموقة يُقيم بها عالية القوم في المُجتمع.
                            ***


قصتي بدأت منذ إحدى وعشرون عاماً, عندما كنت أبلغ من العمر التاسعة عشر, وحينها ألتحقت بالجامعة الأمريكية, فأنا من عائلة ثرية للغاية, والدي رجل عصامي بنى نفسه بنفسه دون مساعدة من أحد, ووالدتي سيدة مُجتمع, تزوج أبي من أمي عن قصة حب عنيفة, تُوجت قصة حبهما هذه بالزواج, أنا لست وحيدة أبي وأمي, فلدي أخوين يكبراني..

كنت أعيش مع أسرتي أجمل سنوات عمري, كل شئ كنت أرغب فيه أجده بدون عناء, لدي سيارتي الخاصة, مجوهرات, عضوة في أغلى نادي بمصر, فليس لدي حلم مؤجل, فكل شئ أريده يأتيني في لمح البصر..

ولكن فجأة حدث ما كان غير متوقع بالمرة, ولا خطر على بال أحد منا, توفت أمي بعد تخرجي من الجامعة مباشرة, كانت صدمة حقيقية لي ولأخواني, بل والأكثر من ذلك كانت صدمة شديدة القسوة على والدي الذي كان يُحبها بجنون..

تغلبنا جميعنا على تلك الفاجعة, بصعوبة بالغة, ولكن الله كان دائماً يقف بجانبنا وساعدنا على تخطي هذه الأزمة.

تزوجت بعد وفاة أمي بسنة واحدة, بعدما ظللت أؤجل زواجي أكثر من مرة؛ بسبب تلك الظروف التي مررنا بها, وأنجبت ولداً وبنتاً في غاية الجمال, كانا قرة عيني أنا ووالدهما, الذي كان يُحبني حباً جماً..

وبعد مرور ثلاث سنوات على وفاة أمي, فاجئنا أبي بقراره للزواج مرة أخرى, بالتأكيد أعترضت وحاولت منعه في بادئ الأمر, ولكن سرعان مع أقنعاني أخواني بأن والدنا تقدم في العمر, ويحتاج إلى من يرعاه, فكل واحد منا له حياته وإهتماماته الشخصية الخاصة, فوافقنا جميعاً, وباركنا الزيجة, ولكن ما كان يحز في نفسي إن أبي تزوج من امرأة في مثل عمري بالضبط..


فكيف لمثل هذه المرأة أن تهتم برجل في مثل والدها, ولماذا لم تتزوج من شاب مثلها يحبها وتحبه ؟!

لماذا تُفكر امرأة في مثل عمرها وجمالها في رجل مثل أبي ؟

في بادئ الأمر, كانت جميع الإجابات تدلني وتوجهني على السبب الحقيقي وراء زواجها من أبي, وهذا السبب بالتأكيد, كان المال فهو له اليد العليا في قرارها هذا, فهي من أسرة فقيرة, بعد زواج أبي منها وعدها بإنه سيتكفل بجميع مصاريف أسرتها, وبالفعل أوفى أبي بوعده, فأسرتها أصبحت أسرة متوسطة من الناحية المادية, بل وفوق المتوسطة بعدما كانت فقيرة, وكل هذا بفضل أبي.


كثيراً من الشك كان ينتابني في هذه المرأة, فهي دائمة الطلبات من والدي, ولأن والدي يُحبه,ا فكان يُلبي جميع طلباتها بدون مناقشة.
بالإضافة إلى إنه أشترى لها شقة بأسمها في أرقى أحياء مصر, ووضع لها مبلغاً كبيراً من المال في البنك, ليؤمن لها حياتها وحياة ابنيهما.
تعرض أبي لأزمة مالية في عمله, أصفرت عن أزمة قلبية له, ولكن تماثل للشفاء بفضل الله, أقترحنا عليه أنا وأخواني الراحة التامة من عمله, حتى لا يتعرض لمثل تلك الأزمة مرة أخرى, ولكنه أبى وبشدة, فهو يعشق عمله أكثر من أي شئ أخر, فما كان أمامنا سوى الخضوع لرغبته..


ولكن للآسف تعرض بعد فترة قصيرة, لأزمة أخرى قلبية وديون بلغت حوالي المليون جنيه !!
طلبنا من زوجة أبي سداد الدين ولكنها أبت, فبعدما كانت السبب في إشهار إفلاس أبي من كثرة طلباتها, رفضت أن تسدد الدين, بل, وعلمنا فيما بعد, إنها كانت تبحث عن عريس ثري وهي مازالت في عصمة أبي, لتتزوجه ظناً منها إن أبي أنتهى وعلى حافة الموت !!


هذه المرة لم يتماثل أبي للشفاء, فكانت الأزمة شديدة عليه, بل وأصابه شلل تام في جميع أنحاء الجسد, بالتأكيد طلبت زوجة أبي الطلاق, فطلقها أبي, وأخذت ابنها – أخي الصغير – وتزوجت وسافرت به مع زوجها الجديد إلى الإمارات, ثم أنقطعت أخبارها تماماً, فلم أعد أعرف عنها أي شئ...

نحتنا أنا وأخواني في الصخر, حتى نسدد دين والدي, فلم يعد لدينا الكثير من الأموال مثلما كان في الماضي, وبالفعل سددنا الدين, ولم يتبقى على أبي أي ديون, ولكن لم يعد أبي مثلما كان..
فبعدما كان أبي أنيق يهتم بمظهره وملبسه وعطوره التي كان يقتنيها من الخارج..أصبح الآن....
أصبح...


أصبح يرتدي الحفاضات, لأنه ما عاد يستطيع الإعتماد على نفسه في دخول المرحاض, فالحركة بالنسبة له أصبحت مُستحيلة..
فلم يعد ثري كما كان, ولم يعد أنيق مثلما كان, وأنا من يتولى أمره من مصاريف وإهتمام  وكل شئ, فليس لدينا أموال في البنوك, ولا عقارات ولا أي شئ, فكل شئ تم بيعه وصرف أمواله على زوجته السابقة, ولم يعد لدينا أي شئ, سوى شقة صغيرة يسكن بها أبي..
بالتأكيد كان لزاماً علي أن أبحث عن عمل حتى أصرف على والدي, بعدما تخلى عنه جميع البشر.


ما يؤلمني حقاً الآن, هو إنني فعلياً أشعر بأنني أُنتهكت, فكرة إنني لو بموت يجب علي أن أذهب إلى العمل, ولا أخذ إجازة؛ بسبب مصاريف والدي التي لا تنتهي, ولم أعد أقدر عليها, بعدما تركني أخواني أواجه مرض أبي بمفردي!!

ولكن ما يؤلمني حقاً, ويأكل في روحي ونفسي, هو رؤيتي لوالدي بهذه الحالة, بعدما كان صحيح, يضحك ويلعب معنا, أصبح طريح الفراش, بل ويتبول في حفاضات, وأنا من يُغير له ويهتم بنظافته الجسدية..فعلياً أنا بموت يومياً عندما آراه بهذه الحالة, ولم أعد أتحمل مثلما كنت, لم أعد أطيق..

لم أجد من يهون علي, فالجميع غارق في مشاغله وحياته الشخصية الخاصة, ولم أخبر زوجي بحالة أبي المادية أو المعنوية, لم أقدر على طلب المساعدة منه, فهذا والدي أنا وليس هو, فلماذا يتحمل ضغط وطاقة فوق طاقته ؟!!

أنا حالياً أبلغ من العمر الأربعون عاماً, وأصبح لدي رهبة إلى حد الفاجعة من فكرة تقدم العمر, فأخشى يتقدم العمر بي ويصل بي الحال, كما وصل الحال بوالدي..


ماذا يفعلان أولادي بي في مثل ذلك العمر ؟!!
هل سأكون حمل ثقيل عليهما ؟
أم سيتحملاني في كِبري كما تحملت أنا والدي ؟!!
لا أعلم ولكنني ما أعلمه حقاً..بإنني أدخر الكثير من الأموال حتى أذهب بنفسي إلى دار للمسنين, ولا أنتظر مساعدة من أحد مهما كان.
ما أعلمه حقاً..بإنني أكره تقدم العمر.
أكره الضعف..
أكره المرض..
ما أعلمه حقاً...هو أنني أشتاق إلى والدي الحقيقي, وليس والدي الذي دمر نفسه بهذه الزيجة, التي كانت نتيجتها هو ضياع والدي وضياعي أنا معه..
                                  ***

1 comment:

  1. الان دار رعاية المسنين بالقاهرة تقدم لكم افضل الخدمات والرعاية بكبار السن حيث يتوفر جليسة مسنين بالقاهرة للاهتمام والاعتناء و رعاية المسنين بالمنزل مصر وتلبية متطلباتهم .

    ReplyDelete