من وجهة نظري أن الحياة كالدراجة بالضبط, فمثل ما تفعله حتى تقود الدراجة,
أيضاً ستفعله لإدارة حياتك في جل جوانبها.
منذ الطفولة وأنا أعشق ركوب الدراجات, فهي من أكثر الأشياء التي أجد فيها مُتعتي
الشخصية, في حقيقة الأمر عندما بدأت تعلم ركوب الدراجة واجهت الكثير والكثير جداً من
الصعوبات والتحديات, فهي ليست بالسهولة التي كنت أتخيلها, وأيضاً ليست بالصعوبة
التي ظننت أنها ستكون عليها.
بالتأكيد تعثرت كثيراً, ووقعت على وجهي مراراً, عندما حاولت أن أقودها
وأوجهِا كيفما أشاء, فهى بالطبع مثل ما يعلم الكثيرين منكم عن ركوب الدراجة, لن
تُلبي طلبي في قيادتها إلا عندما أتقن قوانينها, التي تفرضها هي على كل من يريد
قيادتها.
ولذلك فقد خضعت لتلك القوانين, رغبة مني وإصراراً على معرفتها, ثم قيادتها
بكل براعة.
قمت بشراء السندات, وهي تلك العجلات الصغيرة التي تقوم أنت بتوصيلها بعجلة
الدراجة الخلفية من اليمين واليسار, حتى تقوم على حفظ توازنك, ومن ثم لا تقع.
وبعد فترة تعودت على تلك السندات, فتخليت عن واحدة وتركت الثانية, وبعد
مرور فترة أخرى تخليت عن السندات بأكملها, وأردت أن أقود الدراجة بدون أدنى عوامل
مساعدة, وبالفعل حاولت أن أوازن جسدي عليها, ولكن أحياناً كنت أصيب وأحياناً أخرى
كثيرة كنت أخيب, فتعلم ركوب الدراجة تطلب مني التعثر الشديد حتى أتقنها وأتعلم
كيفية قيادتها.
ومع الإصرار والمثابرة وتقبل عدم فهمي ووعي لقوانينها, ومع أيضاً إحترام
معرفتي الضئيلة بقيادتها, في بادئ الأمر, أصبحت أخيراً بعد فترة ليست بقصيرة أقود
الدراجة ببراعة فائقة.
من فترة ليست ببعيدة كنت أود تعلم مهارة ما ضرورية جداً بالنسبة لي, ولذلك
فقمت بعمل البحث اللازم حتى أعلم كيفية تعلم مثل تلك المهارة, وبعد البحث, والبدء
في التعلم, صرفت نظر عن تعلمها بعد عدة محاولات لا تُذكر, لأنني وجدتها في غاية
الصعوبة, ولم أحترم إطلاقاً قلة خبرتي بها في بداية التعلم, لأن هذا هو الشئ
الطبيعي, بل والمنطقي أيضاً, أن تكون معرفتك في غاية التواضع عندما تقوم بتعلم
مهارة جديدة أي كان نوعها .
ومهارة بعد مهارة, وصعوبة بعد الأخرى, وجدت نفسي تخليت عن إعتقادي الذي
نشأت وترعرت عليه منذ صغري, والذي تعلمته من خلال محاولاتي المُستميتة في تعلم
ركوب الدراجة!!
وكان إعتقادي في ذلك الوقت هو التعلم وإتقان ما أتعلمه, مهما كان الوقت
المُستغرق في عملية التعلم هذه.
ولهذا السبب وقفت مع نفسي وتساءلت ذلك السؤال:
ماذا حدث فكل شئ في الحياة وكل مهارة هي بمثابة ركوب دراجة, إذن لماذا لم
أتخل عن إصراري في تعلم ركوب الدراجة, بينما أتخل بسهولة عن أي مهارة أخرى أريد
تعلمها ؟!!
بعتقد أن السبب في ذلك يكمن في ثلاثة نقاط رئيسية:
1- عدم الإصرار الكافي في تعلم تلك
المهارة.
2-
عدم الثقة الكافية في نفسك,
بأنك تستطيع تعلم أي شئ ترغب به.
3-
عدم تقبل التطور التدريجي في
تعلم أي شئ تريده في الحياة.
فأي مهارة في الكون هي نفسها ركوب الدراجة, ولكن الفرق بينهما هو أنت, هل
تريد التعلم حقاً أم لا؟!!
أيضاً تُعلمنا الدراجة درس هام جداً من الممكن أن يُفيدنا في الحياة ألا
وهو:
"التوازن"
وكأن الدراجة تقول لك إذا لم تتوازن في حياتك, سوف تتعثر وتقع وتواجه
العديد من الصعوبات في هذه الحياة, في الدراجة ليس أمامك أي خيار سوى التوازن,
وإلا يستحيل أن تُكمل سيرك بالدراجة.
والتوازن في الحياة هنا المقصود به:
1- التوازن المادي.
2-
التوازن الروحي.
التوازن المادي وهو النجاح في العمل, في العلاقات, في جني الأموال, في
تربية الأولاد, في علاقتك بزوجتك.....ألخ, كل شئ يتعلق بالحياة من ماديات.
بينما التوازن الروحي وهو المقصود به علاقتك بالخالق, فأنت مهما كنت ستظل
كائن ضعيف في حاجة إلى من هو أكبر منك ليوجهك في حياتك, ولكي توكل له الأمر كله,
وبالتأكيد ليس أمامنا جميعاً سوى الله – عز وجل – حتى نتقرب إليه, ونطلب منه العون
في كل شئ في حياتنا.
فالله هو القادر على أن يُنجينا من أي مشكلة, وأيضاً الله هو الوحيد القادر
على أن يُعلمك أي مهارة تحتاج إليها, فقط أستعن بالله وتوكل عليه.
من الدروس الأخرى التي تعلمنا إياها الدراجة هي:
"التطور المستمر"
بينما تقود الدراجة تجد نفسك عالي الهمة وتضغط على البدال بكل ما أوتيت من
قوة, لأنك لو بطأت سيرك سوف يُسابقك الجميع, وليس هذا كل شئ, بل من الممكن أن تجد
من هو أكثر منك قوة يدهسك في الطريق, وهذا بالضبط كالحياة فإذا لم تنمو فسوف يأتي
من هو أفضل منك, ومن ثم لم تجد لنفسك مكان في هذا الكوكب, فهذه الحياة وُجدت لمن
هم يعملون ويتطورون بإستمرار, وليس للكسالى إطلاقاً مكان.
أيضاً السندات تُعلمنا أنك من الممكن أن تتلقى مساعدة خارجية من الآخرين,
ولكن هذا لفترة قصيرة للغاية, لأنك بعد ذلك سوف تعتمد على نفسك أنت فقط.
تلك الدروس تعلمتها من الدراجة, وودت أن أشارككم إياها, لتعم الإستفادة على
الجميع, كما أستفدت أنا أيضاً منها.
No comments:
Post a Comment