نسمع الكثير والكثير من القصص الإنسانية, والمُتعلقة بفراق الأصدقاء
والأحباب لنا, والمقصود بكلمة الفراق هنا هو الفراق الإرادي, الذي يعتمد على قرار
إحدى الطرفين بالإنفصال, ومن ثم تنتهي العلاقة وبشكل نهائي.
أمثلة توضيحية:
تسمع أنه كان يوجد صديقتان مُحبتان لبعضهما البعض حباً جماً, ولكن بسبب
عدة مشاكل بسيطة لا تُذكر, ولم تصرح كل منهما بما يضايقها ويسبب لها الألم النفسي
من الأخرى, بل وفضلت إنها تتظاهر بالتسامح وكأن شيئاً لم يكن, أنتهت العلاقة للأبد,
ولكنها أنتهت على سبب يستحيل إنه يكون هو السبب الحقيقي وراء ذلك الفراق, ولكن
السبب الحقيقي هو التراكمات التي كتمتها كل منهما عن الأخرى بداخل أعماق
قلبها.
ترى أن هناك زوج وزوجة في غاية السعادة, والتي تتمنى أنت نفسك أن تعيشها
مع محبوبتك, ولكن بعد فترة قصيرة جداً, تُفاجئ بالطلاق الذي وقع كالصاعقة على
مسمعك, وتضرب كفاً على كف من شدة إستغرابك وإستعجابك, وتجد الكثير من الأسئلة التي
تثيرك, وللأسف ليس لها إجابات, فالإجابة لا يعرفها أحداً سواهما, وهي أن الزوج لم
يعد لديه القدرة على الإحتمال من كثرة إهتمام زوجته بالأولاد, وتركه هو بلا رعاية,
وأيضاً أصبحت الزوجة لا تعفو عدم إهتمام زوجها لها, وعدم تقديره لما توفره هي من
راحة نفسية له ولأسرتهما.
حتى في العلاقات ذات الرباط الغليظ, كالعلاقة ما بين الأم وابنتها, أو
الأب وابنه, أو الأخوين, أو الأختين, تظل الأم تسامح على أفعال ابنتها الهوجاء إلى
أن تنفجر فجأة في وجهها على أبسط الأسباب, ومهما حاولت الابنة الإعتذار يكون قد فات
المعاد, من الممكن بمرور الوقت تصفى النفوس, ولكن في الوقت الحالي, للأسف
لا.
وغير ذلك الكثير والكثير من القصص الإجتماعية, التي لا تنتهي وتتميز
بالمشاكل التي لا تستطيع فهمها, إلا إذا كنت طرفاً فيها.
ولكن....
سؤالي هو: لماذا لا يكون هناك فرصة أخرى لتغيير مسار
العلاقة؟
هل يشترك الحب في جميع تلك العلاقات التي ذكرتها؟
نعم.
هل كانوا يتمتعون بالسعادة البالغة مع بعضهم
البعض؟
نعم.
هل كل منهما كان يتمنى أن يمت في حضن الأخر من شدة حبه
له؟
نعم.
إذن ماذا حدث؟!
إنها التراكمات سيدي الفاضل, التراكمات النفسية التي لا يستطيع أن
يتجاهلها أحد إلا بمرور الوقت, ولكن حينها سيكون قد فات
المعاد.
الصداقة:
دعنا نحلل الموقف سوياً.
وليكن على سبيل المثال نُلقي الضوء على مثال
الصداقة:
تجد الصديقتان في غاية السعادة مع بعضهما البعض, لا يفترقان مُطلقاً,
جميع أصدقائهما الآخرين يعلمون مدى علاقتهما ببعض, ومدى حبهما الشديد لبعض, ولكن
عندما تصبح علاقة الصداقة كهذة أعلم جيداً إنها قد دخلت في حيز بداية
النهاية!!
عندما تجد نفسك شديد التعلق بعلاقة ما, أعلم إنها أصبحت على المحك من
الإنتهاء, لأنها عندئذ ستأخذ مسار غير مسارها الطبيعي, ستجد نفسك تُغار عليه من أي
شخص, ستجد نفسك تريد هذا الشخص لك أنت وحدك, ستجد فجأة حب التملك قد سيطر عليك, وجل
هذه المشاعر هي مشاعر ضارة بالعلاقة بل وتدمرها, لأن سينتج عنها مشاكل "تافهة",
تعبر عن مدى سيطرتك على هذا الشخص, وقهرك له, من الممكن حينها إنك لا تعلم لماذا
أنت تتصرف بمثل تلك التصرفات, ولكن ما تعلمه حقاً إنك تريد ذلك الشخص لك وحدك,
وكأنه خُلق لك أنت وحدك, وليس لديه الحق في أن يعيش ويتفاعل مع
الآخرين!!
وهنا تكمن المشكلة, لماذا؟
لأنك دائم الشكوى من الطرف الأخر, ودائم السيطرة عليه بسبب أو من غير
سبب, ودائماً تفرض آرائك عليه, ودائماً تتحفظ على تصرفاته, ودائماً تعترض عند خروجه
أو دخوله مع أحداً غيرك, ستجد إنك بشكل لا إرادي محوت شخصيته تماماً, وبالطبع لم
يقبل الطرف الأخر هذا التعامل منك على المدى البعيد, حتى ولو كانت روحه فيك, ويحبك
كثيراً, ولكنه يحب نفسه أكثر منك بالتأكيد.
وفجأة يقرر الطرف المُتضرر التخلي عن هذه العلاقة بأكملها, وسوف يداوي
جراحه التي سببتها أنت له بنفسه, دون أدنى مساعدة منك.
ومهما حاولت الرجوع ستجد الرد المنطقي وهو "لا, مستحيل
نرجع".
ممكن نرجع!:
حتى هذه اللحظة هذا الشئ الطبيعي الذي يحدث في مُعظم علاقاتنا
الإجتماعية, ولكن سبب هذا المقال هو ذلك السؤال:
هل من الممكن بعد مرور سنوات على الفراق الرجوع مرة
أخرى؟!!
في حقيقة الأمر لا أعلم, ولنفترض أن هناك شخص عاش حياته بعد الفراق,
والشخص الأخر مازال يندم على ضياع حبيبه منه, بالتأكيد في مثل هذه الحالات فكرة
الرجوع أصبحت شبه مُنعدمة.
ولكن في حالة أن الطرفان مازالا يُكنان لبعضهما البعض الكثير من المشاعر
الطيبة,هل يمكن الرجوع؟
لا/نعم.
لا, لو مازال الشخص المُتضرر يحمل الكثير من الذكريات السلبية لعلاقتكما
معاً, بالرغم من حبه لك.
نعم, لو الشخص المُتضرر قرر أن يُعطيك فرصة ثانية لأنه مازال يُحبك,
ولكن أنت أيضاً تكون تعلمت من أخطائك الماضية معه, وشعرت بمدى حبك له, ومدى كآبة
العيش بدونه, ولهذا فقررت أن تتغير في طريقة تعاملك معه, من أجل الإحتفاظ
به.
ولكن ماذا لو تم الرجوع ووجدت أنك تغيرت معه وهو أيضاً تغير معك, لأن
سنين الفراق سواء طالت أم قصرت, فبالتأكيد غيرت في النفوس شيئاً ما, ولكن تم الرجوع
بناءاً على تخيلتكما القديمة للعلاقة السابقة ليس أكثر, وعند العودة مرة أخرى وجدت
أنك غير مرتاح في هذه العلاقة, ومن ثم كان الحل الأمثل في مثل تلك الحالات الفراق
مرة أخرى, ولكن هذه المرة سيحدث الفراق عن وعي أكثر وأشد
عمقاً.
يا عزيزي السنين تغير النفوس بشكل لا تتخيله, ولهذا السبب لا تبكي على
الأطلال وتنتظر رجوع الحبيب المُفارق لك, فأنت ترغب به الآن فقط, لأنه تركك وتخلى
عنك, ولكن عند رجوعه لك ستجد قلبك لم يعد معه كما كان, وعليه, فقرر الآن أن تعيش
بدونه بلا أدنى تفكير فيه, وأبحث عن الشخص الذي ترتاح معه ويرتاح معك إلى الأبد...
فالذكرى حقاً رائعة لأنها مضت, ولكن إذا حاولنا بث فيها النبض من أول وجديد, ستكون
حينها بلا طعم أو معنى.