Aug 26, 2018

تركتني بعدما أحببتها حباً جماً




لم أكن أتخيل يوماً أنني سوف أعشق أحداً إلى هذا الحد, لم أتخيل يوماً أنني سأفضل شخصاً آخر عن نفسي, لم أتخيل يوماً أنني سأتنفس لوجود شخص ما على قيد هذه الحياة.
كنت أعيش حياتي بصورة طبيعية مثل باقي النساء, فأحب, وأفرح, وأحزن, وأسافر, وأعمل وأدرس, كانت حياتي مُنصبة ومتمركزة حوالين ذاتي, لا أقترب من أحداً إلى حد الإختناق ولا أبتعد إلى حد الفتور, كنت أوازن مشاعري حتى لا أنجرف وراءها..

ولكن تأتي الرياح دوماً بما لا تشتهي السفن, فتعرفت على امرأة, منذ اللحظة الأولى وشعرت أننا سوف نبقى أصدقاء, ومرت على معرفتنا شهور, وكنا نتواصل سوياً, التواصل المعتاد ما بين المعارف, تواصل من بعيد لبعيد.
تعرضت إلى ظرف قاسي على قلبي, ولم أجدها بجانبي, فلها كل العذر, فلا نحن أصدقاء ولا نحن غرباء أيضاً, وعندما أفقت من ذلك الحادث الأليم قررت أن أقطع صلتي بجميع علاقاتي السطحية, ولا أجعل أحداً بحياتي سوى العلاقات الثرية العميقة, وبالفعل هي لم تكن من ضمن تلك العلاقات, فقطعت صلتي بها..
وفي يوم ما وجدتها تحادثني, تحادثني بمنتهى اللطف والحنان والدفئ الذي شعرته في كل كلمة صادقة كانت تقولها لي, وعبرت عن أسفها لعدم علمها بما مررت بي, وأتفقنا أن نبدأ صفحة جديدة, في حياة كل واحدة منا, على وعد بأننا نوطد علاقتنا ونجعلها علاقة قوية عميقة.

خشيت هي من عمق العلاقات, فقالت لي: العمق مؤلم.
ولكنني شجعتها وقلت لها: لا, لم يؤلمنا العمق.
وأصبحنا نتواصل يومياً, فعلاقتنا جعلت من كل واحدة فينا شخصية أخرى, شخصية تعشق الحياة, وتراها من منظور مختلف, شخصية حالمة, حنونة, دافئة.
فرحنا كثيراً بتلك العلاقة وشعرنا أننا وجدنا ضالتنا أخيراً عند الآخر, فكنا نحب, نبكي, نضحك, نتألم سوياً.
ومع ذلك العمق الذي أثرى الروح وأنعشها, تعددت خلافتنا على أشياء بسيطة عادية, جعلتنا نعش أياماً حزينة, تعاهدنا ألا نختلف مرة ثانية, أو نختلف ولكن لا تؤلم واحدة منا الآخرى.
فكنا نلتزم بذلك العهد لأيام وبعد ذلك نعود لخلافتنا مرة أخرى.

شعرنا بالأختناق, فكنا نريد الحب, والحب وكفى, بلا خلافات وبلا مشاكل وبلا ضيق أو حزن.
أستمرت علاقتنا لشهور وبعد ذلك قررت أن تبتعد عني, فلم تعد تتحمل كثرة تلك المشاكل, وأصبحت روحها منهكة منها.
أخذت القرار الذي وقع علي كالصاعقة, فأخذت أفكر كيف لها أن تنسى حبنا في لحظة؟
كيف لها أن تضحي بعلاقة مثل هذه لمجرد خلافات عادية؟
كيف لها أن تضحي بي, وأنا صديقتها التي تتمنى أن تبقى معها أمد الدهر؟
كيف لها أن تنساني وأنا التي أفضلها حتى على ذاتي؟

أسئلة كثيرة دارت بخلدي ولم أجد لها إجابات, فأخذت القرار, وتركتني وحدي لآلامي دون أن تهونها علي..
حزنت كثيراً وبكيت كثيراً, وتمنيت عودتها لي, فرجوعها عن ذلك القرار المؤلم قادراً على إحيائي مرة أخرى, ولكن هيهات لم تعد, وأستمرت في حياتها وكأنها لم تعرفني يوماً.
حاولت كثيراً أن أتمسك بها, وفعلت كل شئ يثبت لها ذلك, ولكن دون جدوى.
تأثرت حياتي عاطفياً, وأصبح ليلي ونهاري لا فرق بينهما, فأعيش دوماً في حالة حزن لفقدانها, ولم أعد قادرة على البوح بما أشعر به, ويتألم به قلبي, فلا أحد يشعر بي, فأنا بالنسبة لكل من حولي امرأة تركتها صديقتها, فقط لا غير.

ولا أحد يشعر أن تلك الصديقة كانت روحي, وجداني, كانت أنفاسي التي أستنشقها بأنفها هي, كانت تسري في دمائي, كانت جزء مني, بل كانت كلي, هي بالنسبة لي كل ذلك, بل وأكثر, ولكن أمام الملأ فأنا امرأة تركتها صديقتها وحدها!
أريد أن أصرخ إلى كل من حولي وأقل لهم أنها ليست مجرد صديقة, فهي حبيبتي وأمي وأختي وصديقتي, بل هي وتيني.
لم أستطع تحمل ذلك الألم النفسي والعاطفي, فلجأت إلى أستشارة شخص حكيم متفهم منصت لي, ذهبت إليه فقصيت له كل شئ ولم أخبئ عليه شئ, قصصت له عما أشعر به, وعما أحتاج إليه, بل تمنيت أمامه عودتها, ولكن تمنيتها بدموعي..
أنصت إلي بتفهم عميق, وطلب مني رؤيتها, تعجبت لطلبه كثيراً, فأنا التي تشعر بالألم وليست هي, أنا التي تفتقدها, أنا التي أتمنى رؤيتها ولو حتى لثواني معدودة, أنا كل هذا وليست هي, فلماذا تطلب مني رؤيتها..
تفهم ثورتي عليه, وابتسم لي, وقال: أتريدين رأيي بصدق؟
فقلت له: نعم.

فأستطرد وقال: إذن لا بد من سماع الطرف الآخر, حتى أداوي جروحك يا أبنتي.
قلت له: لا أستطيع أن أحادثها في ذلك الأمر, هي ترفض الرد على مكالماتي وترفض حتى رؤيتي, هي ترفضني كلياً, فكيف أن أتي بها إليك؟!
ابتسم وعلق على كلامي فقال: كل تلك الأشياء التي تصدر منها تجعلني مُصر أكثر وأكثر على رؤيتها, وأنا أعلم بأنك تقدرين على تحقيق رغبتي.
تركته وأنا أفكر فكيف لي أن أذهب إليها وأقول لها فراقك ألمني للحد الذي جعلني أتلمس طريق العلاج النفسي والتشافي الروحي؟!
كيف لي أن أظهر لها ضعفي إلى هذا الحد؟
لا لا لم أستطع, وفي المرة القادمة سأقول له أنني حاولت ولم أستطع, ولكني تذكرت بأنني لا أقدر على الكذب ولو كذبت فسيظهر ذلك على ملامحي, فأخذت أفكر ماذا أفعل؟!
هممت إلى الإتصال بها, ولم ترد, عاودت الإتصال بها مرة أخرى, ولكن في هذه المرة أجابتني, ومجرد ما سمعت صوتها تناسيت آلامي تماماً ولم أعد أتذكر شيئاً سوى حبي بل عشقي لها, كنت أحس في نبرات صوتها أنها تشتاق إلي أيضاً, ولكنها حاولت التظاهر بعدم الإشتياق, ولكنني أفهمها كثيراً بل أفهم ما لم تبوح به, فهي جزء من روحي بل كل روحي..

طلبت منها على إستحياء أن تذهب إلى ذلك الرجل الحكيم, فهو طلبها شخصياً, أندهشت بعدما علمت بأنني أذهب للعلاج النفسي من أثار فراقها عني, وأحسست بعطفها علي من صوتها, ولكنها أيضاً تظاهرت باللامبالاة, وافقت على طلبي ولكن كان شرطها الوحيد أن لا أكون معها في تلك الجلسة, ولبيت أنا رغبتها تلك..
                                                   *****

أخذت لها موعداً من الرجل الحكيم, وبلغتها به, وعلمت منه أنها ذهبت إليه بالموعد المحدد, كان بداخلي فضول يكاد يقتلني ورغبة مُلحة لأعرف ما دار بينهما من حديث, ولكنني صبرت حتى أرى الحكيم في الجلسة القادمة, وأيقنت أن كان في جلستهما ما يجب عليه إخباري به لقال لي هو من تلقاء نفسه.
وفي موعد الجلسة الخاص بي, ذهبت إليه, أستقبلني بإبتسامة رضا, فهو يعلم أنني أريد أن أسمع منه أي شئ يطمئن قلبي, أريد معرفة أنها سوف تعد لي, وكنت متشوقة لسماع ذلك الخبر منه.

جلست أمامه, ونظرت إليه بنظرة كلها تساؤلات, كان يفهم تلك النظرات جيداً, لهذا السبب لم يرد أن يطيل علي إنتظار الأخبار, فقال لي: صراحة, أتركيها, دعيها ولا تحاولي الإقتراب منها مرة ثانية يا أبنتي.
كانت الدموع تملأ عيني, فقلت له: كيف؟!, أنا أحبها ولم أطيق العيش بدونها, فكيف لك أن تقل لي أتركيها, أهكذا بكل سهولة, وقلبي, بماذا سأخبره؟!

رد علي وعيناه تملاؤها الشفقة: أخبريه بأن الله قادر على شفاء جراحه, أتعلمين يا أبنتي أن لكل ألم عاطفي هناك قوة بداخلنا قادرة على شفاؤه, فصبراً جميلاً وسيعود بعدها كل شئ على ما يرام, ولكن لا تأملي عودتها.
طلبت منه أن يخبرني بما دار بينهما من حوار, حتى أتلمس منه ولو كلمة تجعلني أن أسامحها على ما فعلته به, وجدته يسرح بخياله وكأنه يتذكر شيئاً ما, ولم يجيب علي, فتركته لمخيلته حتى لا أعكر صفوه..
تذكر الحكيم جلسته الأسبوع الماضي مع الصديقة الراحلة, تذكر كل شئ وكأنه يحدث أمامه الآن, تذكر كل كلمة, كل حرف..

فذهبت إليه الصديقة الراحلة مبتسمة, طلب منها الجلوس, فجلست أمامه في صمت, شعرت أن ذلك الحكيم له طاقة مريحة للأعصاب ولهذا السبب قررت أن تعترف له بكل شئ, حتى الأشياء التي لم تخبر بها صديقتها.
فقالت له: أتيت إليك لعلمي أنك تود مقابلتي.
فرد عليها: أجل, أيتها الصديقة الراحلة, جائتني صديقتك تتألم لفقدانك, جائتني والدموع تملأ عيناها من نار فراقك, جائتني وهي حزينة مكسورة, تتمنى ولو سماع صوتك لكي ينعش روحها, أستشفيت أنكما بدرجة قرب عالية, ولهذا السبب طلبت مقابلتك, فلا يستطيع أحد أن يترك شخصاً أحبه إلى هذه الدرجة, ولهذا السبب أريد سماع القصة منك يا أبنتي..

بتردد شديد أخذت تقص عليه حكايتها مع صديقتها, فقالت: أحبها, بل أحبها حباً كثيراً, أحبها أضعاف ما تحبني هي, ولكن العودة إليها تكاد تكون في غاية الصعوبة.
تعجب الحكيم من أمرها, فسألها: فكيف لك أن تحبيها كل هذا الحب, وتمنعي قلبك من العودة إليها.
أجابته بحزن شديد: هذا هو الصراع الذي أعاني منه بعدما أخذت القرار بفراقها, نعم كان يوجد الكثير من المشاكل بيننا, في البداية كنت أتحملها وكانت عواطفي هي التي تتحكم بل وتسيطر علي, ولكن مع كثرتها أصبحت لا أطيق, فأنا حالمة, رومانسية, هادئة الطباع, أريد أن أعيش حياة مليئة بالحب والسلام, وجدت عند صديقتي كل هذا وأكثر, فوجدت عندها الحنان والدفئ والطيبة, وجدت عندها كل شئ حُرمت منه, فأنتشلتني هي بعطفها وتفهمها وإحتوائها لي, ولكن مع كثرة المشاكل أصبت بالإختناق ولم أعد أتحمل كل هذا, نعم أتقبل الخلافات من حين لآخر, ولكن لم أقوى على كثرتها..

تفهم الحكيم ما تقوله, فقال لها: أهذا كل شئ؟
فأجابته مسرعة: لأ, لم يكن هذا كل شئ, في حقيقة الأمر أنا أعشقها, أعشقها حتى أكثر من نفسي, وبسبب عشقي هذا أصبحت أذوب في روحها, نسيت وتناسيت نفسي وأنا معها, وأصبحت لا أريد أي شئ من الحياة سوى الوجود بجانبها, ولكن هذا الشئ مستحيل أن يحدث, فأنا أحمل على أكتافي الكثير والكثير من الواجبات والمسئوليات, وإذا لم أقم بها, سوف تتلاشى حياتي ولم يعد لها قيمة, فأنا أحيا مع المسئوليات, أعلم أنني أنهكت ولكن هذه هي شخصيتي, بعدما وجدت نفسي أحببتها إلى هذه الدرجة, خفت وقررت الهروب منها, ولكنني كنت بهرب منها إليها, فدوماً هي على بالي, وقلبي يومياً يسألني عنها, ورغم هذا فلم أستطع العودة إليها, حتى أعيش, الرجوع إليها معناه أن أنهي حياتي بيدي.

حينها فقط علمت أن من يحب حقاً من أعماق قلبه يخشى الإقتراب, ونقترب فقط ممن لا نحبهم, لأننا لا نخشى على قلوبنا منهم مطلقاً, فأبتعدت عن حبيبتي من أجل حياتي, ولكن هل معنى ذلك أنني أحيا حياة سعيدة؟!
كلا, فالسعادة هي, والحياة هي, أنني أمثل العيش من أجل مسئولياتي فقط, ولكن نفسي وروحي ووجداني, فتمتلكهم هي.






No comments:

Post a Comment