كنت أتحدث إلى صديقة, وفجأة تطرق حوارنا إلى العلاقات الإجتماعية بمختلف
أنواعها, وهنا أنا وضحت لها مدى ميلي الشديد إلى العلاقات الإجتماعية العميقة, ذات
الإهتمام, ذات المشاركة في كافة الأشياء السلبية منها والإيجابية, ذات الود
والتعاطف فيما بيننا, ذات المُكاشفة والوضوح لكل منا للأخر, ذات الحب العميق
والإخلاص.
أنتهيت من كلامي هذا, بعدما وضحت لها, لماذا أنا أميل بهذا الشكل إلى
العلاقات الإنسانية العميقة.
وجدتها صمتت لبُرهة, ثم ردت علي وقالت الآتي: العمق بيوجع يا ندا.
بالطبع سمعت هذه الجملة بوضوح شديد, بل وجدتها أخترقت قلبي الذي يكمن بين
ضلوعي, وجدت نبضات قلبي تتسارع وكأنها في مارثون, وجدتني للحظات شاردة, لا أعلم
كيف أجيب عليها, أو أقُل لها ماذا!!
"العمق بيوجع يا ندا"
يا لها من جملة تبدو أنها غاية في البساطة, ولكن تحمل بداخلها الكثير من
المعاني والأحاسيس المتداخلة المتشابكة.
جملة تبدو لأول وهلة أنها عادية, ولكن إذا تعمقت بداخلها فسوف تجد نفسك
بداخل حيرة فائقة تنتابك, سوف تجد نفسك أمام ذكريات جعلتك تقول مثل تلك الجملة في
كثير من الأحيان.
قطعت شرودي هذا وقُلت لها: وماذا في العمق من وجع؟
فقالت لي: عندما تتدخلين في حياة شخص ما, وتسمحي له أن يخترق كيانك, سوف
يوجعك الفراق, فنحن مهما عيشنا فلا بد لنا في يوم من الأيام أن نفترق يا ندا.
قُلت لها: وهل معنى ذلك أن لا نبني علاقات جديدة عميقة, خشياً من الفراق,
أهذة تُسمى حياة؟!
فكرت لبُرهة وقالت لي: نعم, على الأقل أنا أسميها حياة, فأنا لم أعد قادرة
على تحمل عسرة القلب وألم الفراق مرة أخرى, فأنا جربت ذلك الإحساس مرة واحدة
ومازلت أعاني فقدانه حتى الآن.
هنا طلبت منها أن توضح لي معنى العمق من وجهة نظرها, فقالت لي: العمق
المقصود به أن تكوني ذاتك الحقيقة مع شخص أخر, أن لا يكون هناك مناطق محظورة أو
ممنوعة, فكل شئ تستطيعين أن تشاركيه إياه, بلا خطوط حمراء وبلا خصوصية.
بادرت وقُلت لها: فأنتِ هنا تصفي معنى التعلق وليس عمق العلاقات.
فقالت لي: وما معنى العمق من وجهة نظرك؟
قُلت لها: العمق هو أن نتداخل في حياة بعضنا البعض, ونتشارك في كل شئ
سوياً, مع الإحتفاظ بمناطق الخصوصية الخاصة بكل منا على حدة, فأنا ضد أن نعرف
الكثير أكثر مما يجب أن نعرف عن شخص ما, فهذا يكون ضد مصلحة أي علاقة مهما كانت,
لذلك فيجب على كل أحد منا أن يحتفظ بخصوصياته بعيداً عن الأخر.
غالباً راق لها هذا الكلام, وأطمئنت لأنها سوف تحتفظ بخصوصياتها بعيداً عن
أي شخص.
عم الصمت قليلاً فيما بيننا, قاطعته أنا عندما قُلت لها: ولكن من الممكن أن
تكون مناطق الخصوصية بالنسبة لكِ, تُعبر عن عدم الثقة المُطلقة في شخص أخر.
طلبت مني التوضيح.
فقُلت لها:
مثال:
إذا كانت حياتك العاطفية تعتبرينها
منطقة خاصة محظورة, فبعد مرور سنوات عديدة على علاقة ما, سوف تجدي نفسك تتحدثين مع
ذلك الشخص عن حياتك العاطفية تلك, أي أنها كانت أزمة ثقة وإطمئنان لهذا الشخص,
وليست منطقة خصوصية.
ردت علي بالإيجاب على كلامي, حيث أنها وافقتي الرأي.
حاولت بعد ذلك أن أزرع في نفسها الإحساس بالأمان والإطمئنان في إنشاء
علاقات إجتماعية جديدة, وقُلت لها: مهما تعرضنا
لوجع أو إحساس بالألم من الآخرين, فتلك هي الحياة ولا بد أن نختبر الكثير من
المشاعر في الحياة السلبية منها والإيجابية أيضاً...يا عزيزتي.
فالمشاعر تجعل منا أشخاصاً أقوياء, ولهذا السبب يجب علينا أن نواجه مشاعرنا
مهما كانت, لا أن نهرب منها..
:)