Nadasokrat
Oct 25, 2018
Aug 30, 2018
أشتقت للأمومة ولكن...!
أعتادت أسبوعياً أن تشاهد فيلماً يتحدث عن قضية ما, وفي هذا الأسبوع عزمت
على قضاء سهرتها في مشاعدة فيلم تدور أحداثه حول امرأة تريد أن تصبح أماً, ولكنها
لازالت عزباء!
فكرت بطلة الفيلم في كافة الوسائل المشروعة والغير مشروعة حتى تنجب طفلاً,
فالعمر يتقدم بها ومع مرور السنين, من الممكن أن يصبح حلمها في أن تصير أماً يكاد
يكون مستحيلاً.
كانت تتابع أحداث الفيلم في تأثر وشغف عميق, ربما لأنه لمس شئ ما بداخلها!
أنتهت من الفيلم, وأخذت تفكر في أحداثه, أنتهى الفيلم ولكن مشاعرها لم
تنتهي بعد, فقد أنجرفت وراء مشاعرها, تداعب بمخيلتها كيفما تشاء, تذكرت أنها هي
أيضاً شارفت على الثلاثين من عمرها, وتذكرت أيضاً رغبتها الشديدة في أن تصبح أماً,
ولكنها أيضاً لم تتزوج بعد.
قررت أن تفعل أي شئ حتى يشتت تفكيرها في حلم الأمومة وفي أحداث ذلك الفيلم,
فقامت بالإتصال بصديقتها, شعرت الصديقة أن صوتها لم يكن كالمعتادة عليه, فصوتها به
شجن ودموع لم تعبر عن نفسها بعد.
سألتها الصديقة: هل أنتِ بخير؟
فأجابت: نعم, بخير.
الصديقة: إذن, لماذا أشعر بأن هناك شيئاً بداخلك لم تفصحي لي عنه؟
فردت عليها: لا, لم يكن هناك شيئاً.
الصديقة: سأتركك على راحتك, وإذا شعرتي بالرغبة في الحديث معي فأنا دوماً
بجانبك يا حبيبتي.
فبكت وقالت لها: كنت أشاهد فيلماً, يناقش فكرة الأمومة, وهذا ما سبب لي
ضيقاً في نفسي, لأنه ذكرني بحلمي أنا أيضاً بالأمومة, وأخذت أفكر في كثير من
الأشياء, هل أنا حقاً أريد أن أصبح أماً أم لأنني كبرت فهذا شئ طبيعي أن أفكر في
الأمومة؟!
هل إذا أنجبت طفلاً سوف أرعاه حقاً أم سوف يتأثر بالحياة الخارجية وأراه
كغالبية الجيل الحالي, لا يكترث بأي شئ مطلقاً؟!
أنا حالياً قادرة على أن أقف على قدماي وأتحمل مسئولية نفسي, ولكن ماذا بعد
الهرم, أليس نحن بحاجة إلى الأبناء لكي يرعونا كما رعيناهم في صغرهم؟
وعندما أنظر حولي أجد جفاء الأبناء على آبائهم, فأقول في نفسي حمداً لله
أنني لم أنجب ولداً يذيقني المر..
أنني خائفة بل أشعر بالرهبة تمتلكني بشكل لا يصدقه أحد, لا أعلم هل الإنجاب
أمر لا بد منه, لكي أجد من يتولى أمري عند الكبر, أم عدم الإنجاب هو الأمر الحتمي
في ظل وجود مجتمع بلا أخلاق كمجتمعنا هذا؟
فأنا حقاً من شدة حبي لهم لا أريد أن أنجبهم في مجتمع مثل مجتمعنا هذا.
لا أدري ماذا أفعل؟
الصديقة: أقدر مخاوفك جيداً يا حبيبتي, ولكني أرى أنك تفكيرين بشكل حلزوني,
قادر على أنه يسحبك إلى أسفل بل ويوصلك إلى الإكتئاب..
أتفق معكِ أن المجتمع أصبح الآن في غاية السوء, ولكن من يدري لعلنا نساعد
نحن في تحسينه, سواء تزوجنا أم لا, فلنا رسالة في تحسين مجتمعنا مهما بلغت قسوته.
بتفهم ردت عليها: أعلم ذلك.
صمتت لبرهة ثم قالت: الفيلم أثر علي بشكل ما, ولكن سرعان ما أعود لحالتي
الطبيعية, لا تقلقي بشأني يا عزيزتي.
الصديقة: واثقة من ذلك حبيبتي.
Aug 26, 2018
تركتني بعدما أحببتها حباً جماً
لم أكن أتخيل يوماً أنني سوف أعشق أحداً إلى هذا الحد, لم أتخيل يوماً أنني
سأفضل شخصاً آخر عن نفسي, لم أتخيل يوماً أنني سأتنفس لوجود شخص ما على قيد هذه
الحياة.
كنت أعيش حياتي بصورة طبيعية مثل باقي النساء, فأحب, وأفرح, وأحزن, وأسافر,
وأعمل وأدرس, كانت حياتي مُنصبة ومتمركزة حوالين ذاتي, لا أقترب من أحداً إلى حد
الإختناق ولا أبتعد إلى حد الفتور, كنت أوازن مشاعري حتى لا أنجرف وراءها..
ولكن تأتي الرياح دوماً بما لا تشتهي السفن, فتعرفت على امرأة, منذ اللحظة
الأولى وشعرت أننا سوف نبقى أصدقاء, ومرت على معرفتنا شهور, وكنا نتواصل سوياً,
التواصل المعتاد ما بين المعارف, تواصل من بعيد لبعيد.
تعرضت إلى ظرف قاسي على قلبي, ولم أجدها بجانبي, فلها كل العذر, فلا نحن
أصدقاء ولا نحن غرباء أيضاً, وعندما أفقت من ذلك الحادث الأليم قررت أن أقطع صلتي بجميع
علاقاتي السطحية, ولا أجعل أحداً بحياتي سوى العلاقات الثرية العميقة, وبالفعل هي
لم تكن من ضمن تلك العلاقات, فقطعت صلتي بها..
وفي يوم ما وجدتها تحادثني, تحادثني بمنتهى اللطف والحنان والدفئ الذي
شعرته في كل كلمة صادقة كانت تقولها لي, وعبرت عن أسفها لعدم علمها بما مررت بي,
وأتفقنا أن نبدأ صفحة جديدة, في حياة كل واحدة منا, على وعد بأننا نوطد علاقتنا
ونجعلها علاقة قوية عميقة.
خشيت هي من عمق العلاقات, فقالت لي: العمق مؤلم.
ولكنني شجعتها وقلت لها: لا, لم يؤلمنا العمق.
وأصبحنا نتواصل يومياً, فعلاقتنا جعلت من كل واحدة فينا شخصية أخرى, شخصية
تعشق الحياة, وتراها من منظور مختلف, شخصية حالمة, حنونة, دافئة.
فرحنا كثيراً بتلك العلاقة وشعرنا أننا وجدنا ضالتنا أخيراً عند الآخر, فكنا
نحب, نبكي, نضحك, نتألم سوياً.
ومع ذلك العمق الذي أثرى الروح وأنعشها, تعددت خلافتنا على أشياء بسيطة
عادية, جعلتنا نعش أياماً حزينة, تعاهدنا ألا نختلف مرة ثانية, أو نختلف ولكن لا
تؤلم واحدة منا الآخرى.
فكنا نلتزم بذلك العهد لأيام وبعد ذلك نعود لخلافتنا مرة أخرى.
شعرنا بالأختناق, فكنا نريد الحب, والحب وكفى, بلا خلافات وبلا مشاكل وبلا
ضيق أو حزن.
أستمرت علاقتنا لشهور وبعد ذلك قررت أن تبتعد عني, فلم تعد تتحمل كثرة تلك
المشاكل, وأصبحت روحها منهكة منها.
أخذت القرار الذي وقع علي كالصاعقة, فأخذت أفكر كيف لها أن تنسى حبنا في
لحظة؟
كيف لها أن تضحي بعلاقة مثل هذه لمجرد خلافات عادية؟
كيف لها أن تضحي بي, وأنا صديقتها التي تتمنى أن تبقى معها أمد الدهر؟
كيف لها أن تنساني وأنا التي أفضلها حتى على ذاتي؟
أسئلة كثيرة دارت بخلدي ولم أجد لها إجابات, فأخذت القرار, وتركتني وحدي
لآلامي دون أن تهونها علي..
حزنت كثيراً وبكيت كثيراً, وتمنيت عودتها لي, فرجوعها عن ذلك القرار المؤلم
قادراً على إحيائي مرة أخرى, ولكن هيهات لم تعد, وأستمرت في حياتها وكأنها لم
تعرفني يوماً.
حاولت كثيراً أن أتمسك بها, وفعلت كل شئ يثبت لها ذلك, ولكن دون جدوى.
تأثرت حياتي عاطفياً, وأصبح ليلي ونهاري لا فرق بينهما, فأعيش دوماً في
حالة حزن لفقدانها, ولم أعد قادرة على البوح بما أشعر به, ويتألم به قلبي, فلا أحد
يشعر بي, فأنا بالنسبة لكل من حولي امرأة تركتها صديقتها, فقط لا غير.
ولا أحد يشعر أن تلك الصديقة كانت روحي, وجداني, كانت أنفاسي التي أستنشقها
بأنفها هي, كانت تسري في دمائي, كانت جزء مني, بل كانت كلي, هي بالنسبة لي كل ذلك,
بل وأكثر, ولكن أمام الملأ فأنا امرأة تركتها صديقتها وحدها!
أريد أن أصرخ إلى كل من حولي وأقل لهم أنها ليست مجرد صديقة, فهي حبيبتي
وأمي وأختي وصديقتي, بل هي وتيني.
لم أستطع تحمل ذلك الألم النفسي والعاطفي, فلجأت إلى أستشارة شخص حكيم
متفهم منصت لي, ذهبت إليه فقصيت له كل شئ ولم أخبئ عليه شئ, قصصت له عما أشعر به,
وعما أحتاج إليه, بل تمنيت أمامه عودتها, ولكن تمنيتها بدموعي..
أنصت إلي بتفهم عميق, وطلب مني رؤيتها, تعجبت لطلبه كثيراً, فأنا التي تشعر
بالألم وليست هي, أنا التي تفتقدها, أنا التي أتمنى رؤيتها ولو حتى لثواني معدودة,
أنا كل هذا وليست هي, فلماذا تطلب مني رؤيتها..
تفهم ثورتي عليه, وابتسم لي, وقال: أتريدين رأيي بصدق؟
فقلت له: نعم.
فأستطرد وقال: إذن لا بد من سماع الطرف الآخر, حتى أداوي جروحك يا أبنتي.
قلت له: لا أستطيع أن أحادثها في ذلك الأمر, هي ترفض الرد على مكالماتي
وترفض حتى رؤيتي, هي ترفضني كلياً, فكيف أن أتي بها إليك؟!
ابتسم وعلق على كلامي فقال: كل تلك الأشياء التي تصدر منها تجعلني مُصر
أكثر وأكثر على رؤيتها, وأنا أعلم بأنك تقدرين على تحقيق رغبتي.
تركته وأنا أفكر فكيف لي أن أذهب إليها وأقول لها فراقك ألمني للحد الذي
جعلني أتلمس طريق العلاج النفسي والتشافي الروحي؟!
كيف لي أن أظهر لها ضعفي إلى هذا الحد؟
لا لا لم أستطع, وفي المرة القادمة سأقول له أنني حاولت ولم أستطع, ولكني
تذكرت بأنني لا أقدر على الكذب ولو كذبت فسيظهر ذلك على ملامحي, فأخذت أفكر ماذا
أفعل؟!
هممت إلى الإتصال بها, ولم ترد, عاودت الإتصال بها مرة أخرى, ولكن في هذه
المرة أجابتني, ومجرد ما سمعت صوتها تناسيت آلامي تماماً ولم أعد أتذكر شيئاً سوى
حبي بل عشقي لها, كنت أحس في نبرات صوتها أنها تشتاق إلي أيضاً, ولكنها حاولت
التظاهر بعدم الإشتياق, ولكنني أفهمها كثيراً بل أفهم ما لم تبوح به, فهي جزء من
روحي بل كل روحي..
طلبت منها على إستحياء أن تذهب إلى ذلك الرجل الحكيم, فهو طلبها شخصياً,
أندهشت بعدما علمت بأنني أذهب للعلاج النفسي من أثار فراقها عني, وأحسست بعطفها
علي من صوتها, ولكنها أيضاً تظاهرت باللامبالاة, وافقت على طلبي ولكن كان شرطها
الوحيد أن لا أكون معها في تلك الجلسة, ولبيت أنا رغبتها تلك..
*****
أخذت لها موعداً من الرجل الحكيم, وبلغتها به, وعلمت منه أنها ذهبت إليه
بالموعد المحدد, كان بداخلي فضول يكاد يقتلني ورغبة مُلحة لأعرف ما دار بينهما من
حديث, ولكنني صبرت حتى أرى الحكيم في الجلسة القادمة, وأيقنت أن كان في جلستهما ما
يجب عليه إخباري به لقال لي هو من تلقاء نفسه.
وفي موعد الجلسة الخاص بي, ذهبت إليه, أستقبلني بإبتسامة رضا, فهو يعلم
أنني أريد أن أسمع منه أي شئ يطمئن قلبي, أريد معرفة أنها سوف تعد لي, وكنت متشوقة
لسماع ذلك الخبر منه.
جلست أمامه, ونظرت إليه بنظرة كلها تساؤلات, كان يفهم تلك النظرات جيداً,
لهذا السبب لم يرد أن يطيل علي إنتظار الأخبار, فقال لي: صراحة, أتركيها, دعيها
ولا تحاولي الإقتراب منها مرة ثانية يا أبنتي.
كانت الدموع تملأ عيني, فقلت له: كيف؟!, أنا أحبها ولم أطيق العيش بدونها,
فكيف لك أن تقل لي أتركيها, أهكذا بكل سهولة, وقلبي, بماذا سأخبره؟!
رد علي وعيناه تملاؤها الشفقة: أخبريه بأن الله قادر على شفاء جراحه,
أتعلمين يا أبنتي أن لكل ألم عاطفي هناك قوة بداخلنا قادرة على شفاؤه, فصبراً
جميلاً وسيعود بعدها كل شئ على ما يرام, ولكن لا تأملي عودتها.
طلبت منه أن يخبرني بما دار بينهما من حوار, حتى أتلمس منه ولو كلمة تجعلني
أن أسامحها على ما فعلته به, وجدته يسرح بخياله وكأنه يتذكر شيئاً ما, ولم يجيب
علي, فتركته لمخيلته حتى لا أعكر صفوه..
تذكر الحكيم جلسته الأسبوع الماضي مع الصديقة الراحلة, تذكر كل شئ وكأنه يحدث
أمامه الآن, تذكر كل كلمة, كل حرف..
فذهبت إليه الصديقة الراحلة مبتسمة, طلب منها الجلوس, فجلست أمامه في صمت,
شعرت أن ذلك الحكيم له طاقة مريحة للأعصاب ولهذا السبب قررت أن تعترف له بكل شئ,
حتى الأشياء التي لم تخبر بها صديقتها.
فقالت له: أتيت إليك لعلمي أنك تود مقابلتي.
فرد عليها: أجل, أيتها الصديقة الراحلة, جائتني صديقتك تتألم لفقدانك,
جائتني والدموع تملأ عيناها من نار فراقك, جائتني وهي حزينة مكسورة, تتمنى ولو
سماع صوتك لكي ينعش روحها, أستشفيت أنكما بدرجة قرب عالية, ولهذا السبب طلبت
مقابلتك, فلا يستطيع أحد أن يترك شخصاً أحبه إلى هذه الدرجة, ولهذا السبب أريد
سماع القصة منك يا أبنتي..
بتردد شديد أخذت تقص عليه حكايتها مع صديقتها, فقالت: أحبها, بل أحبها حباً
كثيراً, أحبها أضعاف ما تحبني هي, ولكن العودة إليها تكاد تكون في غاية الصعوبة.
تعجب الحكيم من أمرها, فسألها: فكيف لك أن تحبيها كل هذا الحب, وتمنعي قلبك
من العودة إليها.
أجابته بحزن شديد: هذا هو الصراع الذي أعاني منه بعدما أخذت القرار
بفراقها, نعم كان يوجد الكثير من المشاكل بيننا, في البداية كنت أتحملها وكانت
عواطفي هي التي تتحكم بل وتسيطر علي, ولكن مع كثرتها أصبحت لا أطيق, فأنا حالمة,
رومانسية, هادئة الطباع, أريد أن أعيش حياة مليئة بالحب والسلام, وجدت عند صديقتي
كل هذا وأكثر, فوجدت عندها الحنان والدفئ والطيبة, وجدت عندها كل شئ حُرمت منه,
فأنتشلتني هي بعطفها وتفهمها وإحتوائها لي, ولكن مع كثرة المشاكل أصبت بالإختناق
ولم أعد أتحمل كل هذا, نعم أتقبل الخلافات من حين لآخر, ولكن لم أقوى على كثرتها..
تفهم الحكيم ما تقوله, فقال لها: أهذا كل شئ؟
فأجابته مسرعة: لأ, لم يكن هذا كل شئ, في حقيقة الأمر أنا أعشقها, أعشقها
حتى أكثر من نفسي, وبسبب عشقي هذا أصبحت أذوب في روحها, نسيت وتناسيت نفسي وأنا
معها, وأصبحت لا أريد أي شئ من الحياة سوى الوجود بجانبها, ولكن هذا الشئ مستحيل
أن يحدث, فأنا أحمل على أكتافي الكثير والكثير من الواجبات والمسئوليات, وإذا لم
أقم بها, سوف تتلاشى حياتي ولم يعد لها قيمة, فأنا أحيا مع المسئوليات, أعلم أنني
أنهكت ولكن هذه هي شخصيتي, بعدما وجدت نفسي أحببتها إلى هذه الدرجة, خفت وقررت
الهروب منها, ولكنني كنت بهرب منها إليها, فدوماً هي على بالي, وقلبي يومياً يسألني
عنها, ورغم هذا فلم أستطع العودة إليها, حتى أعيش, الرجوع إليها معناه أن أنهي
حياتي بيدي.
حينها فقط علمت أن من يحب حقاً من أعماق قلبه يخشى الإقتراب, ونقترب فقط
ممن لا نحبهم, لأننا لا نخشى على قلوبنا منهم مطلقاً, فأبتعدت عن حبيبتي من أجل
حياتي, ولكن هل معنى ذلك أنني أحيا حياة سعيدة؟!
كلا, فالسعادة هي, والحياة هي, أنني أمثل العيش من أجل مسئولياتي فقط, ولكن
نفسي وروحي ووجداني, فتمتلكهم هي.
May 3, 2018
حرامي الموبايل
كانت شيرين واقفة في إشارة بتكلم والدتها في الموبايل, لما قرب منها فاروق
من غير ما تحس وسرق منها الموبايل..
***
كانت شيرين رايحة شغلها بعد أجازة طويلة دامت لأكثر من شهر بسبب الحالة
النفسية السيئة اللي أتعرضت ليها بعد فقدانها لصديقتها واللي كانت بتحبها جداً,
أكتر من نفسها, وبسبب عِند ومكابرة منهم هما الأتنين قرروا إنهاء صداقتهم واللي
دامت لأكثر من خمس سنوات..
والدتها بإستمرار بتحب تكلمها على الموبايل كل شوية عشان تطمن عليها, من
شدة قلقها الغير مبرر على بنتها, بس المرة دي كانت والدتها محتاجة فعلاً تطمن
عليها خصوصاً أن هي اللي أصرت أن بنتها تنزل للشغل وترجع تمارس حياتها بشكل طبيعي,
مش صداقة يعني هي اللي هتخلينا نعطل حياتنا!
***
فاروق يُعد الأبن الأكبر لأسرة مكونة من أب مريض وأم ربة منزل, وأخوة
وأخوات في مراحل دراسية مختلفة, لما والد فاروق تعب وأصبح غير قادر على العمل, قرر
فاروق أن يتخلى عن طموحه الدراسي ويشتغل هو بدل أبوه, عشان يوفر إحتياجات المعيشة
لوالده ووالدته وأخواته.
فاروق راجل شهم وجدع وبيتحمل المسئولية, وبيحاول يشتغل ليل ونهار على قدر إستطاعته
عشان يلبي كل طلبات الأسرة, ولا عمره أشتكى ولا عمره حزن على قراره بالتخلي عن
دراسته, بل بالعكس كان شايف أنه بيعمل عمل نبيل ربنا هيجازيه عليه خير, وكفاية أن
أبوه وأمه يدعوله بالتوفيق في حياته, وكان عنده رضا والده ووالدته بالدنيا كلها..
ولكن للأسف في يوم راح يقابل صديقه لقاه مهموم وحزين, سأله: مالك؟!
فرد عليه وقاله: أمي تعبانة يا فاروق ولازم تروح حالاً للدكتور وأنا معيش
حتى تمن الكشف.
فرد عليه فاروق وقاله: ولا يهمك أنا معايا قوم بينا نوديها على الدكتور..
وفعلاً راح فاروق مع صديقه للدكتور واللي طلب منهم أشعة وتحاليل لا تُعد
ولا تُحصي, وكان تمنهم تقريباً بما يعادل ألفين جنيه, ولأن صديق فاروق مكنش معاه
حتى تمن كشف الدكتور, فضل يلف على كل معارفه عشان يلاقي حد يسلفه ولكن دون جدوى,
كل الأبواب أغلقت في وشه.
فاروق مسابوش لحظة وفضل هو كمان يلف على كل معارفه وأصحابه عشان يسلفوه,
ولكن ملقاش حد معاه ولو حتى 200 جنيه!
والدة صديق فاروق لازم تعمل التحاليل عشان يعرفوا هي عندها إيه, وأي تأخير
مش في صالحها.
مكنش قدام صديق فاروق أي حاجة غير أنه يبكي من شدة وجعه على والدته وعجزه
التام وقلة حيلته أنه مش عارف يعمل عشانها أي حاجة.
فاروق شاف قدامه صديقه بينهار وهو كمان مش عارف يعمل عشانه إيه, حاسس أنه
مشلول ومتكتف, ومش قادر يعمل حاجة لصديق عمره واللي مكنش بيسيبه لحظة في أي حاجة,
وكان صديقه دا معاه في أحزانه قبل أفراحه, ولو طال فاروق أنه يعمل أي حاجة عشان
يشوف أبتسامة صديقه تاني مش هيتأخر..
رجع صديق فاروق مع والدته من المستشفى, وسابهم فاروق عشان يدور تاني على أي
حد ممكن يسلفه لدرجة أنه كلم البقال اللي عندهم على أي فلوس سلف واللي رد عليه
وقاله: منين يا أبني دا اللي جاي مش مكفي حتى لقمة العيش..
مشي فاروق سرحان مهموم ومش عارف هو رايح فين ولا جاي منين, فضل يمشي وهو مش
حاسس حتى برجله مودياه على فين.
لقى نفسه فجأة في المهندسين, لقربها من محل سكنه بولاق..
وفي عز ما هو مهموم خطرت بباله فكرة شيطانية بأنه يسرق أي موبايل ويبيعه في
لحظتها ويجيب الفلوس لصديقه عشان خاطر والدته..
أنت يا فاروق تسرق؟!
أنت اللي طول عمرك بتتقي ربنا في تصرفاتك تسرق؟!
أنت اللي تخليت عن حياتك عشان خاطر توصل أسرتك لبر الأمان تسرق؟!
آه هسرق عشان خاطر صاحبي اللي عمره ما اتأخر عني, وفي أول إشارة لقاها
قدامه وفي أول فرصة سنحت قصاده, مد إيده وبسرعة البرق سرق موبايل من بنت كانت
واقفة في الإشارة وبتتكلم في التليفون..
***
شيرين فضلت تصوت وتقول حرامي حرامي لما الموبايل بتاعها أتسرق, ولكن كل
الناس كانت واقفة تتفرج عليها ومحدش جري حتى ورا الحرامي, وأكتفوا بس بأنهم يقولوا
لها: ربنا يعوض عليكي يا بنتي..
رجعت شيرين البيت وقررت متروحش الشغل بسبب ضيقها على سرقة موبايلها, هي مش
مضايقة من الموبايل قد ما هي مضايقة على كل حاجة هتضيع من بيانات ومحادثات بينها
وما بين صاحبتها واللي كان نفسها تحتفظ بيها, بس للأسف الموبايل أتسرق وكل
ذكرياتها مع صديقتها أتسرقت معاه..
والدتها بقت هتتجنن لأن فجأة موبايل بنتها فصل وهي بتكلمها ومكنتش عارفة
تعمل إيه, وكانت خلاص هتموت من شدة قلقها عليها, ولكنها أتطمنت بعد ما شيرين رجعت
على البيت واللي هو في المهندسين يعني متأخرتش كتير على والدتها واللي كانت خلاص
بتنهار عليها..
***
جري فاروق بسرعة بعد ما خطف الموبايل, وصرخة البنت وهي عمالة تقول عليه
حرامي حرامي, مكنتش مأثرة فيه إطلاقاً, لأن كان عنده هدف واحد بس, وهو اللي شاغل
كل تفكيره وهو إنقاذ والدة صديقه..
فضل يجري لحد ما تعب, قعد يدور على أماكن عشان يبيع الموبايل المسروق, ولكن
كان خايف حد يشك فيه ويبلغ عنه..
قعد على الرصيف من كتر التعب, يلتقط أنفاسه لحد ما يشوف هيعمل إيه في
الموبايل..
الموبايل بيرن!
أتخض من الموبايل وفضل يبص حواليه على الناس اللي ماشية في الشارع, وكأن الناس
عارفة أنه سارقه, أستنى لما المتصل قفل وحاول يقفله ولكنه معرفش, كان مهنج معاه,
فالمتصل رجع يتصل تاني, وبرضه أتخض تاني..
قرر يحطه في جيبه واللي يتصل يتصل, مش دا اللي هيشغل تفكيره, عشان كل
تفكيره كان مشغول في أنه هيعمل إيه في الموبايل, عشان يودي الفلوس لصاحبه.
وهو بيحط الموبايل في جيبه, غصب عنه داس على زرار الرسايل, أتفتحت الرسايل
قدامه, لفت إنتباهه رسالة مبعوتة من "صديقة العمر".
حس أن عنده فضول يعرف محتوى الرسايل دي, مش تطفل منه ولكن لأنه بيقدر قيمة
الصداقة جداً, فكان عايز يعرف إيه الرسايل دي, ولقى الآتي:
"أنا عارفة أنك مش نايمة ولكن مش عايزة تردي عليا قصد"
"طب ردي عليا وأنا مش هتكلم في أي حاجة تضايقك, أنا بس عايزة أسمع
صوتك وأطمن عليكي"
"حرام عليكي تعملي فيا كدة, أنا بجد بحبك وأسفة لو ضايقتك"
ورسايل كتيرة جداً ما بين عتاب وحب بين صاحبة الموبايل و"صديقة
العمر", من خلال الرسايل قدر يستشف أن دول أصدقاء جداً ولكن حصلت مشكلة ما
بينهم فخليتهم يفترقوا, واللي أكد له المعلومات دي, لما فتح الواتس أب وشاف كل
رسايل صاحبة الموبايل وصديقة العمر.
فهم من خلال المحادثات ما بينهم أن "صديقة العمر"واللي عرف أن
أسمها هدى وجعت شيرين "صاحبة الموبايل", وعشان كدة شيرين مش قادرة
تسامحها نهائي, وكان القرار النهائي ما
بينهم أنهم يبعدوا عن بعض.
نسي فاروق نفسه وتعاطف مع الصديقتين, وحس أنه عايز يعمل أي حاجة عشان يرجع
علاقتهم الجميلة ببعض تاني, ويكون بمثابة إعتذار منه لصاحبة الموبايل على سرقته
لها, خصوصاً أنه فاق وقرر يرجع لها الموبايل بأي طريقة حتى لو هتبلغ عنه, بس قرر
أنه ميعملش أي حاجة تغضب ربنا مهما كانت العواقب وخيمة.
بس هيعمل إيه؟
يكلم مين؟
ويتصرف أزاي؟
قرر يتصل بـــ"هدى" من رقم صديقتها "شيرين", هو عارف
كويس قوي أن بقالهم شهر مكلموش بعض ودا باين من الرسايل والمحادثات اللي ما
بينهم..
أتصل فعلاً بــ"هدى" ولكنها مردتش عليه, يمكن تكون مشغولة, أو يمكن
تكون يئست من رجوع صديقتها لها, وعشان كدة أختارت متردش عليه.
جرب يتصل تاني وبرضه مردتش عليه..
فكر يبعت لها رسالة على أنه "شيرين", فبعت لها رسالة نصها
"وحشتيني, مقدرش أستغنى عنك, بحبك"
مافيش ثواني وكانت هدى بتتصل, وأول ما رد عليها من قبل حتى ما يقول ألو,
بادرت هدى وقالت له: وأنا كمان بحبك جداً, أنتي مش متخيلة أنتي وحشاني أزاي, وأنا
بجد تعبانة من غيرك, وحشتيني قوي يا شيرين قوي"
فاروق سابها تتكلم براحتها من غير ما يقاطعها, وبعد ما خلصت قالها: أنا أسف
بس أنا لاقيت الموبايل دا واقع من حد في الشارع ولما فتحته ملقيتش عليه رقم سري,
فدورت جواه عشان ألاقي أي حاجة توصلني بصاحب الموبايل ملقيتش غير رسايلكم سوا.
هدى سمعت رسايلكم سوا من هنا, وراحت في مكان تاني خالص, وقالت في سرها: معقولة
شيرين لسة ممسحتش كلامنا مع بعض؟!
وفي ثواني أعادت تركيزها وقالتله: مكانك فين وأنا هاجي أخده منك..
فوصف لها مكانه وقابلته فعلاً, وكان مكان قريب جداً من بيت شيرين..
مد فاروق إيده بالموبايل لهدى عشان تاخده هي وتديه لشيرين, ولكن هدى أصرت
أن هو اللي يديهولها بنفسه, خصوصاً أنه هيكون سبب في مقابلة الصديقتان لبعض مرة
تانية, ومين عالم مش يمكن يكون سبب في عودتهم لبعض!
حاول فاروق يهرب منها ولكنه معرفش, خدته وطلعت به لشقة شيرين.
أول ما شيرين فتحت الباب بتبص, ولقت هدى قدامها واللي مكنتش تتخيل يوم أنهم
يشوفوا بعض تاني.
شيرين مشافتش حد قدامها غير هدى, مع العلم أنها لو شافت فاروق هتعرف أنه
الحرامي..
أول ما شافت شيرين هدى, حضنتها جامد, حضنتها بقوة, حضنتها بشوق, وهما
الأتنين فضلوا يعيطوا في حضن بعض, ويبوسوا إيدين بعض, وكل واحدة تقول للتانية
سامحيني, أنا اسفة..
وبعد ما مسحوا دموعهم بتبص شيرين مين واقف جنب هدى, فشافت الحرامي, وفضلت
تزعق وتقول يا ماماااااااااا ماماااااا بلغي البوليس الحرامي اللي سرق موبايلي
أهووووو, ومسكت في رقبته.
هدى كانت واقفة ومش فاهمة حاجة, وقالتلها: حرامي إيه؟!, دا هو اللي جاي
يجيبلك موبايلك.
فردت عليها شيرين: لأ, دا الحرامي اللي سرق موبايلي..
بصت هدى لفاروق, واللي شافت عيونه مدمعة, فحست أنه شخص كويس, وأكيد أتعرض
لحاجة صعبة خليته يمد إيده ويسرق..
وقالت لشيرين: تعرفي يا شوشو أن هو السبب اللي خلانا نتقابل تاني, وبدأت
تحكي لها اللي حصل بالتفصيل..
فبصت شيرين عليه وكانت هديت شوية إلى حد ما, وقالتله أنا هسيبك تمشي لأني
حاسة أنك شخص كويس وكفاية المعروف اللي عملته معايا وخليت صاحبتي ترجعلي, صحيح أنت
سرقت موبايلي بس معروفك كان أكبر من سرقتك بالنسبة لي..
وقالتله أتفضل مع السلامة..
وقبل ما يتحرك فاروق وينزل من قدام الشقة, وقفته شيرين وقالتله: أستنى, لما
أنت رجعت الموبايل ورجعت صداقة كانت
أستحالة ترجع تاني, فليه سرقت؟!
رد عليها فاروق بنوع من الهزار وقالها: لحظة طيش, كنت بجرب أنفع أبقى حرامي..
فهي حست أنه بيداري دموعه وهو بيتكلم, وقالتله: مش هسيبك غير لما تقولي على
السبب وإلا هبلغ عنك البوليس..
فحكى لها قصة صاحبه..
سمعت شيرين وهدى القصة تعاطفوا معاه, وهما الأتنين عيونهم دمعت, دخلت شيرين
أوضتها وجابتله الفلوس اللي هو محتاجها عشان يعالج والدة صديقه..
Apr 24, 2018
وصية الغدر
أعتادت هبة في كل مرة تقابل فيها وفاء صديقة طفولتها, أنها تديلها جواب
مكتوب بخط إيديها.
طريقة قديمة تم أستحدثها الآن بالماسنجر والواتس أب, ولكن هبة من شدة
محبتها لوفاء كانت بتحب تكتبلها بخط إيديها, كنوع من التذكار ما بينهم..
الجوابات كانت عبارة عن مواقف وذكريات ليهم سوا, يعني في مرة مثلاً تفكرها بأول
لقاء ما بينهم, ومرة تفكرها بذكريات خطوبة كل واحدة فيهم, ومرة تكتب لها عن
إمتنانها لوجودها في حياتها..ألخ.
وفاء كانت أقرب صديقة لهبة, لدرجة أن هبة كانت بتعتبرها روحها فعلاً من شدة تعلقها بيها,
كانوا يومياً يتواصلوا سوا, ويومياً لازم يتقابلوا.
هما الأتنين عاشوا تفاصيل حياة بعض من حزن وفرح, من نجاح وفشل, من إحباط وإنجاز,
كل تفاصيلهم كانت مع بعض, محدش في الدنيا يعرفهم أكتر من معرفتهم هما ببعض, كانوا
بمثابة روح واحدة في جسدين..
في مرة وفاء سمعت شيخ بيتكلم عن أهمية كتابة الوصية بتاعتك قبل ما تموت,
وفعلاً وفاء بدأت تكتب كل حاجة عايزة أهلها ومعارفها يعملوها لها بعد وفاتها, وبعد
ما خلصت كتابة الوصية, معرفتش تديها لمين!
فكرت تديها لوالدتها أو والدها بس حست أنهم ممكن يقلقوا عليها أو يقطعوها
ويقولوا لها "بعد الشر متقوليش كدة ربنا يجعل يومنا قبل يومك" والكلام
المعتاد دا اللي بيقولوه الأهل من خوفهم على ولادهم..
فكرت تدي الوصية لأختها الكبيرة ولكن علاقتها بيها مكنتش جيدة عشان
تستأمنها على حاجة زي كدة, ووارد جداً أنها تستهتر بمشاعرها, وتقولها إيه الهبل دا
وتكسر بخاطرها.
فكرت تديها لزوجها بس مؤخراً علاقتهم ببعض مكنتش جيدة عشان تديله حاجة زي
كدة.
فكرت كتير تديها لمين لحد ما قررت تدي "الوصية" لهبة صديقتها
وحبيبتها, واللي مهما دورت مش هتلاقي حد أنسب منها.
وتاني يوم قابلت وفاء هبة في المكان بتاعهم المعتاد, وقبل ما هبة تدي لوفاء
الجواب بتاعها المًعتاد واللي سموه "جواب اللقاء", مدت وفاء إيديها في
شنطتها ومسكت الظرف وأديته لهبة, وقالتلها خليني أنا المرة دي اللي أكتب لك, ولسة
هبة جاية تفتحه لاقت مكتوب عليه "رجاءً لا تفتحي ذلك الظرف إلا بعد
وفاتي".
أستغربت جداً هبة من الجملة دي, وبصت لوفاء وعيونها كلها دموع, لأن قلبها
أتقبض على صاحبتها, فقالتلها: إيه دا يا وفاء؟!
ردت عليها وفاء وقالتلها: وصيتي يا هبة.
هبة بإستغراب شديد: وصيتك؟!
وفاء: أيوة, خليها معاكي ومن فضلك بلاش تفتحي الظرف إلا بعد وفاتي, ويا ستي
متقلقيش كدة, أنا لسة قعدة شوية في الدنيا عشان أقرفك.
نطت هبة من مكانها وقامت حضنت وفاء بعمق, لأنها ولأول مرة تحس أن صديقتها
مش هتكمل معاها لفترة طويلة للأسف.
وفعلاً ما فاتش كتير على الواقعة دي, ووفاء ماتت فعلاً بحادثة عربية.
ووسط كل دموع الأهل والأقارب, ووسط إنهيار ودموع هبة عليها ودعوا كلهم وفاء
وإلى الأبد, ولكن قبل الدفن أفتكرت هبة الظرف, وقررت أنها تفتحه بسرعة وتقرأ اللي
فيه, يمكن يكون عليها ديون تسددها لصديقة عمرها, عشان تكون مطمنة في تربتها.
ركبت هبة عربيتها وراحت جري على بيتها, وفتحت دولابها واللي كانت شايلة فيه
وصية وفاء, لاقت الظرف فتحته ولاقت فيه الكلام التالي:
حبيبتي هبة..
ترددت كثيراً قبل أن أقرر وأعترف لك بالحقيقة, كوني متأكدة أني صدقاً تغيرت
للأفضل على يديكِ يا حبيبتي, ولكن حتى أشعر براحة الضمير فلابد أن أعترف لك بما
ينغص عليا حياتي..
هبة, جُل المتاعب والمشاكل التي كنتِ تتأزمين بسببها, كانت بفعلي أنا, كنت
أطعنك بالخنجر في ظهرك وأمامك أظهر لك حبي ومودتي.
تتذكرين عندما مرض أبنك وكنتِ تبحثين له عن دواء نادر وجوده بمصر, كنت أبحث
معكِ في كل الصيدليات, ولكنني كنت أعلم أننا لم نجده سوى بالخارج, وكنت أعرف صديق
لي من الممكن أن يأتي إليه بسهولة لنا, ولكني رفضت أن أتصل به حتى أراكي تتألمين,
فلماذا تكوني أماً وأنا لا؟!
ولهذا السبب كنت بتمنى من كل قلبي أن يموت أبنك.
تتذكرين خناقاتك المستمرة مع زوجك؟!
فكنت أفرح كثيراً بشجاركما هذا وكنت دائماً أنصحك بنصائح تخرب بيتك أكثر
فأكثر في صورة إخلاص ومحبة, وأنتِ من شدة نقائك كنتِ تثقين بي.
تتذكرين حلمك الذي كنتِ ترجو تحقيقه وتسعين وراءه بكل إصرار؟
فأنا التي كنت دوماً أنصحك بأن ذلك الحلم مُرهق للغاية ولا يأتي إليك إلا بالتعب
والضيق, وأنا التي شجعتك على التخلي عنه..
كنت صديقتك التي تُحبك ظاهرياً, ولكن في حقيقة الأمر فكنت أكن لكِ كل الكره
والحقد, وكنت أستغلك كثيراً لصالحي أنا.
هبة, لم أفيق من حقدي وكرهي هذا تجاهك, إلا بعدما مرضت بمرض شديد, ووجدتك
أنتِ وأنتِ فقط من بجانبي, وتركتي كل شئ
من أجلي, وكنتِ على إستعداد أن تتبرعي لي ولو بجزء من جسدك لكي أشفى أنا, وفي تلك
اللحظة فقط, شعرت أنني أمتلك أجمل قلب في الدنيا.
وفي تلك اللحظة فقط شعرت أنني أحبك بكل كياني, وودت لو يرجع بي الزمن لكي
أعوضك عن ما خسرتيه بسببي.
ولكن كيف لي أن أعيد إليكِ أبنك بعدما توفاه الله؟!
وكيف لي أن أعيد لكِ زوجك المخلص المُحب لكِ بعدما ترك البلد وهاجر؟!
كيف لي أن أعيد لكِ منصبك اللامع في الوظيفة التي كنتِ تُحبينها بعدما
شجعتك على الأستقالة؟!
كيف لي أن أعيد لكِ ترتيب حياتك من جديد, بعدما دمرتها لكِ بكل ما أوتيت من
قوة, كيف؟!
أعلم أنكِ مصدومة في كثيراً, أعلم أنكِ تكرهيني الآن, أعلم أنكِ تريدين فتح
قبري لكي تنهشي لحمي قبل أن يتحلل, أعلم ذلك.
ولكن ثقي بي هذه المرة, فأنا حقيقاً أحببتك بالنهاية, ولم أستطع النوم ولا
الراحة لما فعلته بك, فكنت أتعذب من أجلك, ولهذا السبب قررت أن أكتب إليكِ تلك
الرسالة عسى أن تغفري لي...
الوداع يا صديقة العمر/
وفاء
خلصت هبة قراءة الوصية, وبعد صمت طويل, فجأة جتلها كريزة ضحك متواصلة!
ومسكت الجواب واللي كان لازال في إيديها وقطعته ورميته وبقت تضحك أكتر لما
الورق يطير قدامها, ويجي على وشها.
فضلت تضحك تضحك تضحك تضحك بدون توقف, ولو كان حد شاف ضحكها كان هيشك أنها
أتجننت بموت صاحبتها ومن صدمتها فيها.
وبعد ساعات متواصلة من الضحك, سكتت للحظات وقالت والدموع مالية كل عينيها:
بل سامحيني أنتِ يا صديقتي الوحيدة, فكنت أعلم جيداً ما تحملين بداخلك من
حقد وكره تجاهي, فحادث موتك كان مُدبر.
Subscribe to:
Posts (Atom)