كثيراً ما ينتابنا شعور بالضيق والملل من كل شئ حولنا, كثيراً ما نود البوح
بما في أنفسنا من هموم وألام ولم نجد من يسمعنا ويشعر حقيقةً بما نشعر به.
كثيراً ما نود التعبير عن مشاعرنا بصدق وبكل حرية, ولكننا للأسف نكبتها
ونكتمها بداخلنا خشية أن يفهمنا الناس خطأ, وخشية أن يحكم علينا الآخرين بأننا
مُذنبون أو غير مُذنبون.
كثيراً ما نود أن نُفكر في الكثير من مشاكلنا المختلفة التي تواجهنا في
الحياة سواء كانت مشاكل شخصية أو حتى مشاكل عائلية, ونريد أن نستشير أحداً بها لكي
يدلنا على الحلول الصحيحة, ولكننا للأسف لم نجد ذلك الشخص الذي من الممكن أن
نأتمنه على مشاكلنا وأسرارنا.
في واقع الأمر توجد الكثير من المتاعب في الحياة, والأفكار الإيجابية منها
والسلبية, كالطموح, والأحلام وغيرها الكثير من الأشياء التي تتعلق بنا, منها
المخاوف التي تجب بخاطرنا والماضي الذي يُعرقل سيرنا نحو حياة أفضل, كل هذه
الأشياء نريد أن نبوح ونصرح بها إلى شخص يستطيع أن يساعدنا دون أن يفضح أمرنا,
بالطبع يوجد هؤلاء الأشخاص حولنا كالأطباء النفسيين أو المُعالجين النفسيين, ولكن
ماذا لو لم تجد طبيب نفسي ترتاح له؟!
ماذا لو لم تجد مُعالج نفسي بالقرب من مقر سكنك؟!
ماذا لو لم تملك المال الذي تستطيع أن تنفقه على علاجك النفسي؟!
ماذا لو لم تجد الصديق الحقيقي الذي ينصت إليك بكل حب, دون أن يحكم على
تصرفاتك إن كانت خاطئة أو لا؟!!
والكثير من الأسئلة الأخرى والتي من الممكن أن تدور بداخل ذهنك, وتجعلك
تُفكر بطريقة سلبية لمجرد أنك لم تجد أحداً من الممكن أن يساعدك بصدق.
ولكن عزيزي القارئ دعني أطرح عليك طريقة عملية جداً, من الممكن أن تساعدك,
فهي لم تُكلفك شئ, سوى ورقة وقلم!
نعم, ورقة وقلم فقط.
وهذه الطريقة تُسمى العلاج بالكتابة, وهناك البعض الذي يطلق عليها التأمل
بالكتابة.
في واقع الأمر صاحب الريادة في ذلك المجال هوJames Pennebaker, بالطبع
كانت توجد محاولات بحثية في ذلك العلم قبل James Pennebaker, ولكنه هو من
دفع من عمره تقريباً حوالي 25 سنة, لكي يأتي إلينا بإنجازات في ذلك العلم العظيم,
ومازال البحث مستمراً, فهذا العلم مازال في مراحله الأولى ولم ينضج بعد.
وبدلاً من الدخول في تفاصيل حول نشأة ذلك العلم وتطوره, دعونا ندخل في صلب الموضوع مباشرة لنتعرف معاً كيف يمكننا الإستفادة من
ذلك العلم العظيم, وهو علم أو فن العلاج بالكتابة.
سوف أطرح ذلك العلم عن طريق الأسئلة التي من الممكن أن تدور بخاطرك عزيزي
القارئ, فلنبدأ معاً:
من المُستفيد من ذلك الفن/علم؟
أي شخص على وجه الكرة الأرضية يستطيع أن يستفيد من ذلك الفن, فكل شخص
يستطيع أن يكتب ما يحلو له, سواء كان ذلك أحلامك, مخاوفك, ذكرياتك السعيدة منها
والأليمة, عراكك مع إناسٍ مُميزين في حياتك..ألخ, ببساطة تستطيع أن تكتب عن أي شئ
وكل شئ.
أيضاً يوجد الكثير من الناس من يستخدمون هذه الوسيلة كنوع من التأمل
الروحاني.
ما هو أنسب وقت للكتابة؟
يُفضل الكتابة عند الإستيقاظ من النوم, أو في نهاية اليوم قبل الخلود إلى
النوم.
ما هي المدة الزمنية التي أكتب فيها؟
عشرون دقيقة يومياً.
هل من الممكن أن أكتب في كذا موضوع في نفس ذات الوقت؟
في واقع الأمر, لا يُفضل ذلك ولكنك من الممكن أن تكتب ولمدة عشرون دقيقة عن
موضوع يشغل تفكيرك, وعند الإنتهاء منه أبدأ في كتابة الموضوع الأخر.
ماذا لو لم أحب الكتابة؟
تستطيع أن تسجل صوتياً, سواء كان ذلك من خلال هاتفك النقال أو حاسوبك
الآلي.
ما هي الأدوات التي استخدمها في الكتابة؟
ورق مُحبب بالنسبة إليك أو "جورنال" متوفر بالمكتبات, وقلم تُفضل
نوعه والكتابة به, أو من خلال الحاسوب الآلي عن طريق ملف الورد على سبيل المثال.
كيف أكتب؟ وما هي الطريقة المُثلى للكتابة؟
تستطيع أن تجلس في مكان يخلو من الضوضاء, وتهيأ نفسك بأنك تسترخي تماماً,
يُفضل أن تقوم ببعض التدريبات المتعلقة بالتنفس, ومن ثم تبدأ في الكتابة بشكل لا
إرادي, فقط دع القلم ينساب على الورق دون توقف إرادي منك, دعه يفرغ ما بداخله,
ويعبر عن ما يؤلمه من مشاغل حياتية ومشاكل.
في الواقع هناك طرق مختلفة في الكتابة على سبيل المثال:
1-
الطريقة المُحددة بوقت:
في هذه الطريقة أنت تُحدد
وقت معين تكتب فيه, ما بين 5- 15 دقيقة, وبعد ذلك الوقت تترك القلم ولا تكتب شيئاً بعدها, حتى لو جملتك
لم تكن قد أكتملت بعد.
2-
الطريقة الإنسيابية:
وفي هذه الطريقة
أنت تقرر الجلوس لتكتب ما تشاء, بصرف النظر عن ما تكتبه, فقط دع الكلمات تتساقط
على الورق بمنتهى الحرية.
3-
طريقة الحوار:
في واقع الأمر بداخل
كل منا صوت داخلي يحدثه بإستمرار, ولكي تعرف كيفية الرد على ذلك السؤال لا بد لك
من أنك تحلله التحليل الأمثل الذي يتناسب معه, وهذه الطريقة تعلمك كيف تحاور ذك
الصوت والرد عليه.
مثال: أنا: أشعر بالخوف من تجربة أي شئ جديد.
نفسي: ولم لا من الممكن أن
تكون تلك التجربة ممتعة للغاية, جربي ودعي التجربة تثبت لكِ صحة أو خطأ حكمك عليها
من البداية.
4-
الخطاب الغير مقروء:
في تلك الطريقة أنت تقوم بكتابة خطاب لشخص ما, تحكي بداخله ما تشاء, وعند
الإنتهاء لا تقم بإرساله, فالهدف هو الكتابة والحكي فقط.
وماذا بعد الكتابة؟ هل سأحتفظ بما كتبت أم ماذا؟
بالطبع يوجد العديد من الإختيارات في مثل تلك الحالات, فهناك من يحتفظ بما
كتب بل ويعدل فيه, وأحياناً ينشره على مدونته الخاصة, ويقوم بمراجعته من حين لأخر.
وهناك من يقطع الورق نهائي, لأنه لا يريد أن يقرأه أحداً غيره.
فالهدف من الكتابة هي أنك تُعبر عن حالتك بكل صدق وعفوية وتلقائية, دون
إعتبار لأخطاءك اللغوية أو النحوية, فقط أنت تكتب لكي تشعر بالاستمتاع والراحة,
وبالطبع يفضل أن لا يقرأ كلامك أحداً غيرك, حتى تتجنب الشعور بالخجل أو حكم
الآخرين عليك من خلال ما يقرؤون عنك.
في الحقيقة فن وعلم العلاج بالكتابة له الكثير من المراجع والمصادر لأهميته
القصوى, ولأنه يدخل في علاج الكثير من الأمراض النفسية كالإكتئاب والقلق والتوتر,
نحن هنا فقط عرضنا ذلك الطرح من خلال نقاط مُختصرة للغاية عن ذلك العلم.
وفي الختام نود أن نقول لك لا يهم ماذا تكتب, ولكن الأهم أن تعبر عن مشاعرك
بكل صدق وأمانة, من الممكن أن تشعر ببعض الضيق والحزن عندما تستغرق في الكتابة عن
موضوع ما يؤلمك, من الممكن أن تبكي في كثير من الأحيان, وكأنك تشاهد فيلم تراجيدي,
ولكن تأكد بأن تلك المشاعر سوف تتلاشى تماماً في خلال ساعتين من إنتهاءك بالكتابة
في ذلك الموضوع, ولو لم تنتهي تلك الحالة من الممكن أن تبدأ في كتابة موضوع أخر
تماماً حتى تهدأ, وتعود للموضوع الأول مرة أخرى.